الكتاب

نبض للوطن.. أحمد يوسف التاي: الفتى الأسمر و(الفريق الإعلامي)

خاص - صوت السودان

(1)

نحنُ أمةٌ تهزمُ أشياءها الكبيرة بأشياء صغيرة جداً لا نلقي لها بالاً..

 أمة تهزمُ نفسها بسوء التقدير.. لاتجيد النهايات، ولا تسويق أشيائها.

لا أدعي أني أول من توصل إلى هذه الحقيقة المؤلمة، ولا أزعم أني أول من دوّن في كتاباته هذه الملاحظة المحزنة،ولكني بكل يقين أتفق تماماً مع قائلها ..

(2)

طافت بذهني تلك المقولة وأنا حضور في برنامج احتفال أقامه ديوان الزكاة ” مكتب الدندر”، لتوزيع مساعدات عينية للأسر المستضيفة للنازحين اطلقوا عليه اسم (الوثبة الرابعة).. استمعنا لكلمات من مدير مكتب الدندر وممثل اللجان القاعدية، استُعرِضتْ فيها الإنجازات والجهود التي قام بها المكتب في زيادة نسبة الربط العالية التي تفوقت فيها المحلية على نظيراتها بالولاية، وكذلك الدور الكبير الذي يلعبه الديوان في دعم الفقراء والمساكين والنازحين، والدور المتعاظم لدافعي الزكاة من المزارعين ومربيي الأنعام والتجار ..

إلى هنا كل شيء يبدو طبيعياً

لكن فجأة وبدون أية مقدمات ولامناسبة تم إقحام فقرة في الاحتفال، في رأيي كانت غير موفقة بالمرة فقد هزمت البرنامج، وحولته من إضاءة على (الوثبة الرابعة) إلى استعراض السيرة الذاتية لمدير مكتب الدندر في فيلم وثائقي كامل تناول قصة حياته ونجاحاته،

واحتشد الفيلم الإعلاني بالتغزل في شخص المدير بالكلمات من شاكلة (الفتى الأسمر)، وعصار المفازة، و(بطناً جابتك والله ما بتندم) احتشد الفيلم بكثير من الإطراء والتقريظ والثناء على شخصية مدير مكتب الدندر، على نحو فيه الكثير من المبالغات والمدح المتهافت ..

الفيلم اسهب في ذكر كل الصفات الطيبة على إطلاقها من كرم وجود ونبل ومروءة وشهامة ونخوة ثم ألصقها بالمدير، كأنما كان البرنامج خاص بتكريمه وإلقاء الضوء على سيرته الذاتية الباذخة وليس مخصصاً لاستعراض وثبتهم الرابعة..

(3)

إحدى المذيعات ترنمت شعراً برائعة سيد خليفة (عصار المفازة) ، وأشارت إلى أن مدير مكتب زكاة الدندر كأنه هو المقصود بهذه الكلمات والتي تنطبق عليه تماما، كأنما كانت تحاول إقناعنا بأن هذه الكلمات قيلت في مدير مكتب الدندر وحده لا شريك له…!!

ألم أقل إننا أمةٌ تهزمُ أشياءها الكبيرة بأشياء صغيرة..

بدا لي جلياً أن الفريق الإعلامي الذي يناهز العشرة أشخاص، والذي حشده المدير لتلميع نفسه والإطراء والثناء عليه ، بدا لي أن هذا (الفريق الإعلامي) المتهافت في مدح المدير بهذه الصورة الفجة قد

 هزم وثبتهم الرابعة ..ألم أقل أننا أمة نهزم اشياءنا الكبيرة بأشياء صغيرة جداً ، أشياء المدير في غنى عنها أو يننبغي ان يكون في غنى عنها، لأنها لم ولن تقنع أحداً بل أجزم أن مردودها سيء للغاية من كثرة الإسفاف والإطراء ومدح شخصية المدير بما ليس فيها وعلى نحو مخالف فنياً لموضوع الاحتفال إذ لم يكون تكريماُ لشخصه .

(4)

تحول البرنامج من خلال الفيلم الوثائقي عن المدير إلى مادة إعلانية للترويج والتلميع لشخص المدير بالتركيز على صفاته (الحميدة) وعن (سمارة) لونه وليس انجازاته، ولو أنهم تركوا الانجازات تتحدث عن نفسها لكان اوفق وافضل من الحديث عن شخصية المدير، فالشخصية لاتهم أحداً بقدرما يهم الانجاز و الفعل ومطابقته لمقتضيات الشعيرة وفقا لما حدده الشارع وأراد له ..

في تقديري أن (الفريق الإعلامي) لم يكن موفقاً في ذلك الإطراء والإسهاب وتلميع الرجل على ذلك النحو من الثناء كما لو ان البرنامج لتكريم المدير او حفلٌ لوداعه ..

بالمناسبة الإخوة الإعلاميين “الإذاعيين” هم أيضا لم يقصروا في تفخيم ذاتهم قبل تفخيم ذات المدير…ولو كنتُ في مكان المدير لرفضتُ مثل هذا الإطراء الذي يحمل الكثير من المبالغات، ويثير الشبهات وينحرف عن موضوع الإحتفال وذلك لاتقاء الغرور والكِبر لأن هذه مداخل الشيطان كان يجب إغلاقها.

(5)

بدا لي ايضا ان المدير (مبسوط جدا) ومرتاح على الآخر لهذا التقريظ والإطراء الذي لم يكن في محله لا من حيث المناسبة ولا الموضوعية التي هي ركن مهم وعنصر أساسي من عناصر الإعلام ، ولو أنه تذكر حديث الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم:(إذا رأيتم المداحين فاْحثوا التراب على وجوههم)، لِمَا أقبل على هذه الخطوة لأن في ذلك ذم وتحذير نبوي مخافة الغرور واتقاء الشبهات…

(6)

أعلمُ يقيناً أن أي مال قلّ أو كثُر يُنفق من مال الزكاة في غير مكانه الشرعي، ولغير مستحقيه ولغير أغراض التشريع وحكمة الشارع إنما هو تجاوز وتبديد يستحق المراجعة والمحاسبة خاصة وأن الفيلم الوثائقي بهذه الطريقة يعتبر مادة إعلانية تكلف الكثير من المال إذا أضيفت لها حوافز مالية …

ثمة أمر آخر هو أن وظيفة الإعلام هي البحث عن الحقائق وإظهارها، وبشكل موضوعي وتسليط الضوء على مواضع الخلل والتشوهات وذلك للإصلاح والمعالجة، لا المبالغة في الإطراء على المسؤولين والاسهاب في مدحهم والثناء والتهافت عليهم، فالإعلامي ليس (حكامة) بكل تأكيد..

وإذا اقتضى الأمر الإشادة فمن غير إسفاف أو تقريظ أو مبالغة وبشي من الموضوعية..

ثم تبقى الحقيقة المجردة وهي إن كان هناك داع للتقريظ فليكن لدافعي الزكاة وليس للموظف الذي يقوم بتوزيعها لمستحقيها..وحتى دافع الزكاة لا أظنة ينتظر الإطراء والتقريظ بقدر ما انه ينتظر الثواب من رب العالمين وهو يقوم بأداء ما افترضه الله عليه من فرائض وإلا لانتظر المصلي مدحاً على صلاته والصائم على صيامه الحاج على حجه..

أخي المدير وكل المسؤولين في المحلية بدءاً بالمدير التنفيذي للمحلية،والله لو وقفتم وقفة حقيقية على أحوال النازحين في المدارس والمرافق ووضع المدارس التي ضاقت بمارحبت لما أنفقتم مليما واحدا من المال العام لغير مستحقيه، أقول وقفة حقيقية وليست (جولة رسمية) يتقدمها الزهو ..

اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع التي تحبُ أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى