(1)
سررتُ بالبيان الرسمي الذي أصدرته الحكومة وهي تعلن أنها لن تأخذ الناس بالشبهات والأقاويل والوشايات..وسررتُ لاستنكارها قائمة اسماء مواطنين تم تداولها على أنهم متعاونون مع ميليشيا الدعم السريع…
الحكومة لم تكتف بذلك بل حذرت من تشويه سمعة الجيش والحكومة بمثل هذا العمل..
هذا هو الموقف الذي يجب أن تكون عليه الدولة ..فالدولة التي لاتعدل لاتستحق أن يطلق عليها لفظ دولة…والدولة التي تُدار بالإنطباعات والشائعات وتسير خلف الساعين لتصفية الحسابات السياسية ليست جديرة بالاحترام.
(2)
قبل بضعة أعوام، وبينما كنا في مهمة صحافية ألتقيتُ مسؤولاً رفيعاً داخل طائرة..قيل له هذا أحمد التاي، قال: نعم اعرفه، أحمد التاي الذي يعادي الدولة!!. قلتُ: قصدك الفاسدين من رجال الدولة..
سألتُه أن يبرز نموذجاً واحداً يثبت معاداتي للدولة، فعجز تماماً، ولسوء حظه زلّ لسانه وقال: (والله انا ماقاعد اقرأ الصحف كتيراً، واردف: ما عندي ليها وكت ولكن قالوا إنك تثير بكتاباتك الشارع ضد الدولة)..!!.
قلتُ بأسى يؤسفني جداً أن أسمع مسؤول بمستوى رفيع يصدر احكامه بناءّ على “قالوا” واستناداً على انطباع أو وشاية والقيل والقال ..”قالوا” هذه يا سيادتك يمكن أن أعذر “نساء دَقْ الريحة” أو حريم في “قعدة مُشاط” إذا بَنَيْنَ عليها أحكاماً، ولكني لن أعذر رجل دولة يؤسس حكماً على “قالوا”..ولم يقرأ ولم يتبين شيئاً مثل الآلة التي يضغط على ذر من أزرارها فتنفذ ما يراد منها، أو تحفظ ما يقال لها بالتلقين..
هكذا قسوتُ على صاحبي، ولم ينبس ببنت شفة..
الدولة لاتُدار بقالوا وقلنا ولاتدار بالوشاية واللهث خلف الانتقام وفش الغبائن..
(3)
أمس استمعتُ إلى مقطع فيديو يظهر من خلاله شخص يتوعد “المتعاونين” مع الميليشيا قائلاً:نحنا ما بنعرف نيابة ولا قسم شرطة ولاتحقيق ولا يحزنون..من هِنا والبحر بس ، بنجيك مُلثمين هكذا.. اي ان الرجل يدعو للقصاص خارج إطار الدولة والقانون ويحرض على أخذ القانون باليد، ولعمري هذا أمر خطير للغاية..
كلنا في مواجهة الدعامة و”المتعاونين” وندعو لمحاكمتهم بالقانون والعدل والقسطاس المستقيم، وليس بما يدعو إليه صاحب المقطع ذاك..
في تقديري أن أصحاب مثل هذه الدعوات يجب أن ندخلهم دائرة الشك بغرض التحقيق معهم لنعرف دوافعهم الخفية، فمثل هؤلاء يمكن أن تكون وراءهم أهداف واجندة خفية ربما يسعون من ورائها لإعطاء انطباع للرأي العام المحلي والعالمي بأن السودانيين يقومون بتصفية “المتعاونين” خارج إطار القانون ويرتكبون المجازر بحقهم تحت سمع وبصر الدولة، مثل هؤلاء يمكن أن يكونوا مجندين لتوفير أدلة إدانة ضدنا من خلال هذه الفيديوهات التي تصوِّر غياب القانون، ولهذا يجب أن يتم التحقيق معهم لمعرفة ما إذا كانوا ينطلقون من بساطة وحماس وجهل أم من مكر وخبث ودهاء.
(4)
أعجبني البيان الذي أصدره الناطق الرسمي باسم الجيش وهو يستنكر تصرفات الجندي الذي قام بتصفية “متعاون” أو “دعامي” وصور ذلك عبر مقطع فيديو..الجيش لم يكتب بالاستنكار فقط بل توعد بمحاكمة الجندي الذي أظهر ذلك التصرف الفردي الذي يضع صاحبه في دائرة الشك:هل هو فعلا يتبع للجيش أم أنه عدو ارتدى زي الجيش ليظهره بهذا السلوك المنافي للقانون الدولي والانساني…؟
(5)
نافلة القول: الدولة يجب ألا تسمح باحتكار العنف إلا لها فقط، ولاتسمح بأخذ القانون باليد ولا القصاص خارج إطار القانون ولا تصفية الحسابات والوشاية ولاتمشي بالنميمة والشائعات.. The state is the state..
اليوم أجد نفسي اكثر سعادة بالبيانين الصادرين عن الجيش والحكومة لأنهما يتسقان تماماً مع جوهر ماكنّا ندعو له ونحفز ونشجع له وهو عدم أخذ البريء بجريرة المجرم، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وضرورة توفير مناخ تحقيق العدالة وكل ذلك من أجل العدل والإنصاف وتجنب الظلم..
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.