(1)
عندما ندعو لإعلاء شأن القانون في كل كتاباتنا، وعندما نبدي حرصاً على سيادة القانون وتطبيقه على الرئيس قبل المرؤوسين، والوزير قبل المدير، والمدير قبل الغفير في المؤسسة الواحدة، والشريف (المخزومي) قبل (الضعيف) من العامة، وعندما ندعو لإضفاء هالة وقداسة على القوانين تجعله فوق كل البشر الذين يعيشون في أرض الوطن من لدن الرئيس إلى أدنى الناس مكانة في المجتمع بمايعني تماماً أن القانون فوق الجميع أيّاً كان وضعه .. عندما نفعل هذا ندرك أن ذلك هو “كلمة السر” لحل كل مشاكلنا وازماتنا، وهو الشفرة التي ستحلُ كل الألغاز والتعقيدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الوصفة السحرية لإزالة كل الاحقاد الطبقية والاجتماعية والعنصرية البغيضة وإنشاء مجتمع معافي ..
(2)
الآن أستطيع القول بكل يقين أن استهزاءنا بالقوانين والتلاعب بها و”التحايل” عليها وتفصيلها بمقاسات محددة وترك ثغرات مقصودة بواسطة “ترزية” القوانين لبلوغ غايات وطموحات سياسية او للخروج الآمن والإفلات من العقاب، هو سبب ما نحنُ فيه الآن وما كارثة “الدعم السريع” ببعيد…إلى جانب التدخلات السياسية للحيلولة دون معاقبة “المخزوميين” في المجتمع، وتأثيرات النفوذ السياسي والمالي كل تلك آفات وأمراض فتاكة نالت من جسد القانون وقوته وأضعفت مناعته، فجعلته كخيال مآته، يتجرأ عليه حتى سماسرة السوق والمحاكم .
(3)
حتى كارثة الدعم السريع التي نحاول الخروج منها الآن فقد فصّلها على مقاس آلامنا وأوجاعنا “ترزية” القوانين حينما اجترحوا قانون لإنشاء الدعم السريع، وحينما أجازوا هذا القانون في البرلمان..
فذبحوا يومها قوانين البلد ودستورها عندما جعلوا سلطات الإعتقال في يد حميدتي، فعندما يقول اعتقلوا الصادق المهدي يتم التنفيذ على جناح السرعة ولا عزاء لجهاز الأمن ولا قانون الأمن الوطني، ولا عزاء للرئيس نفسه، حتى بلغ الأمر أن قال اعتقلوا الرئيس وقد كان…أسألوا أنفسكم بهدوء لماذا حدث كل ذلك؟ والإجابة لأننا استهزأنا بالقوانين وما قدرناها حق قدرها ولأننا صنعنا طواغيت جعلناهم فوق القانون..وهذا سبب كل الكوارث.
(4)
دعكم من كارثة الدعم السريع أنظروا إلى كوارثنا الأخرى كلها سببها الاستهزاء بالقانون والتحايل عليه وضعف التطبيق.. وبسبب غياب الصرامة والحزم في تطبيق القوانين واللوائح والالتزام بالضوابط المنظَمة بالقانون ، تسلل الفاشلون والفاسدون إلى المناصب والمواقع حتى تغلغلوا في أجهزة الدولة منذ عقود فدمروا الإقتصاد، وأفسدوا الحياة السياسية، وأبطلوا مفعول القوانين والردع القانوني فكان التساهل في تطبيق القانون وغياب العقاب الرادع والتحايل على القانون، ونتيجة لهذا التساهل وغياب الردع القانوني كان المزيد من تدمير الاقتصاد والمزيد من الفساد وانفجار التهريب ، حتى أصبح تهريب الذهب عبر مطار الخرطوم أمراً كِدنا نتصالح معه.. فالفساد هو العنوان البارز في تدمير الامم وزوال الدول… وغياب الردع القانوني هو ما يمكِّن للفساد ويحميه ويحفزه ويهيء له افضل بيئه لتفريخه ونموه.
(5)
الآن ونحن نستذكر الدرس البليغ الذي تعلمناه منذ اندلاع هذه الحرب ونتلمس خطانا في الإصلاح لابد أن تكون أولى الخطوات هي الإصلاح القانوني بأن نؤسس ونعمل منذ الآن لدولة القانون التي تحمي الضعفاء من سطوة أكابر المجرمين، وتحمي الحق العام والخاص ومؤسسات الدولة وثرواتها وامنها واستقرارها وحريات الشعب ومعتقداته الدينية، وتحمي بنياتنا التحتية واقتصادنا الذي هو سلاحنا وامننا ومنعتنا ومجدنا…لكل ماتقدم سنظل ندعو لسيادة القانون وتعزيزه في النفوس حتى يكون ثقافة عامة مشاعة بين كل الناس..فالذي يحترم القانون ويتقيد به هو الإنسان المتحضر ذو السلوك القويم بعكس البربري “البلطجي” الذي يتجاوز القانون ويتخطى قيوده…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.