شمال السودان من اكثر المناطق التي حظيت بالعديد من الدراسات التي اعدها ونشرها اجانب وخاصة في علم الاثار والتراث والانثرويولوجي.
من اشهر هؤلاء الكتاب بيركهارذن في كتابه رحلات الي بلاد النوبة عام 1819م وكيلوود. ف. في كتابه رحلة الي مروي 1821م ، والاب جوفاني فانيني عام 1830م وشارلس غردون عام 1885. تحدث هؤلاء عن رجال ونساء الشمال عاداتهم ودياناتهم وطقوس العبور عندهم ختان ،زواج،وفاة . كان الباحث لينانت دي بلغوندس اشهر المتعمقين في الدراسة حيث قال ان رجال الشايقيه فهود حرب وهجوم لا ينجو منهم احد الا انهم يشربون البوظة (المريسة)عليك الله عاين الخواجة العواليق ده تقول هو بيشرب من زمزم ،اما عن النساء فقال انهن من اجمل نساء العالم لو كان لونهن ابيض .
كذلك كتب البروفسير احمد شاهي الاستاذ بجامعة نيوكاسل العديد من المؤلفات عن الشايقيه وقد مكث بينهم في الفترة مابين اواخر الخمسينيات وبداية الستينات من القرن الماضي .
الغريب في امرنا نحن السودانيين هو اننا نترك موضوع دراستنا لانفسنا للاخرين .
فاذا كان العذر قديما انه لا يوجد باحث متعلم من بيننا فما العذر الان ؟
لن اذكر شيئا في هذا المقال سوي وصف لحظة عرس .
مع بداية اللعبة يجتمع الناس من سبع سنوات الي سبعين سنة رجالا واناثا ويجلسون في دائرة علي هيئة جرة حيث يكون مكان الفوهة للمغني والساحة كلها للراقصات والصفاقين،علي يسار المغني ، يجلس ضارب الطبل او (الدليب)والذ ي يضعه منكسا فوهته الي اسفل ويحمل هذا الرجل في يده اليسري عصاة صغيرة تساعده في ضبط النغمات والطنين الذي يصدر من الطبل فهو الضابط الوحيد لكل الفعاليات الاخري بالحلقة وانشطتها من رقص وهز وشبال وقفز ، لغة الطبل هذه معروفة عند كل القبائل الافريقية ولكل مجموعة ثقافية ضربات ذات مفهوم لا يدركه غيرهم حتي البهائم والانعام عند الحوازمة بكردفان تفهم هذه اللغة وتقف وتتحرك وتعود بها .
الصفاقون تجدهم عادة مجموعات لا يزيدون عن خمسة ولا ينقصون عن ثلاثة ومع اول نقرة سلك في الطنبور ينسلون من مكان ما خلف المغني ويدخلون الدائرة طائفين حول الحضور في جري متقطع موزون وهم يرتدون الزي المعروف جلابية وطاقية مائلة علي الزاوية اليسري من الرأس ، تبدأ الصفقه خفيفه ثم يتشابكون في شكل سياج يكرون به علي الحضور ثم يرجعون القهقري في نوع من الاستعراض الجذاب جدا ، في هذه اللحظة تظهراحدي الراقصات في وسط الحلبة وكانما قذف بها البحر وهنا عليهم تعديل خطة التشكيل فتذهب مجموعة لتسد الطريق بينها وبين النساء لكيلا تخرج فجاة مثلما دخلت اما بقية المجموعات فتشن عليها هجوما يحاصرونها فيه حتي اذا ظن الناس انها هلكت انفضوا من حولها وتمهلت في الرقص وكلما كانت ماهرة وجذابة كلما اشتدت الصفقه وهذه فرصة للمغني كي يسكت فقط عليه بمعالجة اسلاك طنبوره لان الناس عنه مشغولين .
مهارة الراقصة تتجلي في انها تمر شمالا وغربا وبسرعة دون ان ترفع قدميها عن الارض وكانها تزح علي ثلج حيث تكون يدها اليمني متدلية في زاوية منفرجة مع جزعها اما اليسري فتكون ممسكة بالثوب علي الصدر وهي في مكانها هذا دائما حتي لو لم يكن هنالك ثوب مثل السبابه والابهام اللذين تضعهما المرأة امام فمها عندما تزغرد بالرغم من عدم جدواهما .
في هذه اللحظة تجد ان ضارب الدف قد مال قليلا الي الورآء وان نظره قد علق بنقطة ما في الافق وكأنما قد حدث له انجذاب فهو لايكترث اطلاقا ان هز فوقه احد او انقلب نظام الحكم لان اي كشط اوشطب يرمي بهذه المظلة الايقاعية ارضا .
من جهة الرجال يتقدم عبل شمرول (الضخم السريع )ويقف قليلا هازا رأسه يمينا وشمالا وما ان يستقيم له الامر حتي يلج الدائرة وبيده اليمني عصاه واليسري تكون في وضع الذي يتقي ضربات السيف فان علت زغاريد النساء فهذا يعني انه من اولياء دم العريس ،والغريب في الامر ان اهل العروس لا يبدون اي نوع من الابتهاج بالرغم من ان الفرحة كاتلاهم.
ببساطة يمكنك ان تفرق بين بنات المدن وبنات الاقاليم فالفئه الاولي تكون متحفظة تصفق بهدوء وغالبا ما يكون باليد اليسري موبايل او مفتاح عربه.
اما بنات الاقاليم فهن جريئات جدا ولا يحملن سوى الالتزام الادبي لهذا الطرب الجامح، والغريب في الامر انهن يرقصن مغمضات العينين الا انهن لا يعترن ابدا ويضعن اعتبارا لكل شئ حتي اسلاك الكهرباء التي يجرها المصور خلفه .
صاح احد الشيوخ يا جماعة دا كلام ؟ فرحين دي بترقص كده ليه ؟ قفزت في وجهه حاجة سلامة قائلة يا راجل هوي مالك ومال فرحين يا امسك خشمك ده او امشي صلي مع الرجال صلاة الخسوف تخسف بك الواطة،، علامة نهاية الحفل هو ان ينكب ضارب الطبل على الطبل ضربا متسارعا تظن معه ان هذه طلقات دوشكا في كمين بمنطقة القيقر ومع آخر ضربة يسكت الطنبور ويهبط الصفاقون الى الارض وتضع النساء الراقصات الثياب على رؤوسهن وهو عكس ما يحدث في الصلاة فعند اداء الفريضة تحتشم المرأة بالثوب مغطية كل جسدها وما ان تنتهي الصلاة حتي تقذف به بعيدا (بالطبع ليس كل النساء) .
اهلي يرقصون بسخاء شديد وكأنهم ينتقمون من مصائب الطبيعة ومشقة النشاط البشري واهمال الحكومات لهم ويتمثل ذلك في الحر الشديد النمتي ، البعوض قفوزة النخيل ، حصاد القمح ، التوريق كما انهم يداوون الضرس بالقرض والبرجم بالطين والحمي بماء القرب وتموت النساء في النفاسة .
مكان الحفل : الكلاكلة القبة .
الزمان : يوم الخسوف الذي مضي .