(1)
قبل يومين وقعت عيناي على خبر يفيد بأن مدير عام الشرطة فريق أول شرطة حقوقي خالد حسان أصدر قراراً بمجانية علاج جميع الإعلاميين في جميع مستشفيات الشرطة..
قرار العلاج المجاني للإعلاميين ونشر الخبر جاء متزامناً مع حملة انتقادات شرسة تواجهها إدارة الشرطة، منها ما يتصل بالمدير السابق “عنان” الذي أثارت عودته وصوره مع مدير الشرطة الحالي غبارً كثيفاً، ومنها ما يتعلق بالتجاوزات الخطيرة التي أثارتها الزميلة رشان أوشي واتهامها لمدير الشرطة بالتستر على ضابط شرطة متهم بالفساد ، ما يؤمي بأن إدارة الشرطة ربما أرادت توظف الأقلام الصحافية لتبييض وجهها والدفاع عنها في الحملة الإعلامية التي تواجهها حالياً،أو ربما أرادت على الأقل تحييد الإعلاميين بما يشبه شراء صمتهم ، أو هذا ما يتبادر للأذهان من حيث توقيت قرار مجانية العلاج للإعلاميين.
(2)
قرار مدير الشرطة بالعلاج المجاني للإعلاميين في كل مستشفيات الشرطة ، في تقديري لايخلو من الغرض والأهداف التي من شأنها أن تمثل عائقاً رئيساً أمام وظيفة الإعلام غير الرسمي بالذات الصحافة الحرة، فإذا كانت وظيفة الإعلام والصحافة هي مراقبة أداء الأجهزة الحكومية، فماذا تراقب إذن الصحافة التي تشملها تلك الأجهزة بالرعاية والعلاج المجاني والهدايا..
إن الصحافي مثل القاضي تماما يجب أن يحافظ على استقلاليته وحياده وألا يقبل العطايا التي تؤثر على عمله والأداء النزيه المطلوب منه بما يحقق مصالح الشعب..
الجهات الحكومية التي يقع على عاتق الصحافي مراقبة أدائها وكشف الخلل والتشوهات واوجه القصور والإهمال فيها يجب أن يختار موقفاً واحداً في التعامل معها : إما أن يكون موظف علاقات عامة فيها يبدبج “النشرات” المادحة، ويقبض منها الحافز وجميع المخصصات كل شهر ، أو صحافي مسؤول تحتم عليه وظيفته وواجبه أن يلقي الضوء على مواضع العتمة فيها ويكشف أوجه القصور والفسادالذي يتلبسها، فليس هناك خياراً ثالثاً..
(3)
شخصياً لا ألوم المؤسسات الحكومية التي تحاول توظيف بعض الأقلام لحملاتها وأهدافها وتغطية فسادها المالي والإداري والدفاع عنها بالباطل والحق، بقدر ما أني ألوم قيادات الإعلام الذين فتحوا الباب واسعاً أمام “المنخنقة” و”النطيحة” و”المتردية” و”ما أكل السبع” للتسلل إلى الصحافة والإعلام لممارسة السمسرة والانتهازية والابتزاز باسم الإعلام والصحافة..وأقصد هنا “الاعلاميين” الذين امتهنوا الصحافة للتكسب المادي والابتزاز و”البزنس” مع المؤسسات والسفارات والقيام بالتسهيلات والحملات المطلوبة.
(4)
لا استبعد أن تكون فكرة العلاج المجاني للإعلاميين هذه من بنات أفكار سماسرة الصحافة الانتهازيين الذين ربما هم من زيَّن الأمر للمدير وأقنعوه بأن الغلبة ستكون له إن فعل ذلك..وهؤلاء السماسرة يظنون ان كل الصحافيين والإعلاميين “رخيصين” مثلهم ولايعلمون حدود مسؤولياتهم تجاه شعبهم وبني وطنهم وضوابط وأخلاق مهنتهم..
(5)
وددتُ لو أن كرم مدير الشرطة تحول إلى يتامى النازحين والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة ومن هم أحق وأحوج من الإعلاميين..فبعض الإعلاميين والصحافيين يمتلكون إمبراطويات مالية ونفود وأملاك واستثمارات وسيارات فارهة ومنازل فخيمة وارصدة في البنوك، وحتى فقراءهم ليسوا بحاجة إلى عطايا لأنهم أختاروا طريقاً منذ البداية نتيجته ماهم فيه الآن من “ضيق” و”تضييق” ..
القرار في تقديري غير موفق واي إعلامي محترم سيشعر بشيء من الاستياء لهذا “التخصيص” الذي يثير الكثير من الغبار والجدل..
أعود وأقول لسيادة المدير..انظر حولك فهناك من هم أحوج من الإعلاميين ستجدهم، وحينها ستجبر الأقلام الصادقة للكتابة عن صنيعك دون أن تطلب منهم، ودون أن يطلبوا منك شيئاً…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.