(1)
أحد الناصحين بدا متجرداً وهو يُسدي النصح للأسرة مشيراً لها بضرورة توقفي عن الكتابة هذه الأيام أي انتظر حتى تأتي ظروف أفضل للكتابة التي تحتاج لحريةٍ ومناخٍ معافى..!!. ويرى أن المناخ السائد لايسمح بكشف الأخطاء والتجاوزات والحديث عن أي ممارسات فاسدة.
(2)
ضابط بالجيش ، تجاذب أطراف الحديث مع أحد أقربائي، وقد أبدى مأخذاً عليّ وهو أني حتى هذه اللحظة أكتب وكأني في عهد ديمقراطي وصحافة حرة، ربما يقصد أني لا أكترث للمناخ السائد الذي يحتم “الطبطبة” والسكوت على الأخطاء التي يعتبرون كشفها تخذيل ونرى في كشفها ومحاربتها سبيل لرضا الله واستحقاقٍ لنصرِه في معركتنا ضد الذين نهبونا وشردونا ومازالوا يستهدفون منشآتنا المدنية.
(3)
شخص ثالث وهو مسؤول تنفيذي وأمني عاب للأسرة حماسي للكتابة دون اكتراث لِمَا ينالني منها وصوّرني كمن يمشي بلا عقلٍ يستجيبُ لرغبات الناس ويعبر عنها بلا وعي كمن يُضرب له الدفوف لتحميسه وتعبئته ، وعبّر الرجل بغضب عن ذلك بالقول :(أحمد الناس يدقوا ليهو دلوكة الورل وهو يقعد يَعَرِض).. أي كأن هذا الأحمد كائن حي أجوف يُعبأ فيمتلي، ويُهوَّش ف (يهوش) ويُحمس فيتحمس بلا وعي ولاعقل…
(4)
وكما ذكرتُ من قبل أن ابن أخي ذا الأربعة أعوام أخذ هاتفي وخبأه عني ورفض أن يعطينيه ، وقال ببراءة لطيفة:(ما بديك التلفون تاني نهائي، عشان ما تكتب عن الدعامة ويسجنوك)..!!
(5)
انظروا إلى النماذج الأربعة عاليه .. القاسم المشترك والرابط الوحيد بينها هو طبيعة وحساسية وصعوبة الكتابة في زمن الكوارث والحروب والأزمات، وهو أمر أشبه بالمشي في حقول الألغام..
ففي زمن الحروب يريد بعض “المتنفذين” في السلطة من الصحافة، يريدون منها أن تغمض عينيها عن كل أشكال الفساد والإختلالات والتشوهات التي هي السند الأكبر للعدو وهي المؤشر الأكبر لهزيمتنا، فإن اغمضت الصحافة أجفانها وتغافلت عن الفساد والمظالم والظلم تلك هي الصحافة المرضي عنها والتي تمنحها الدولة صكوك الوطنية وتغدقها بالمال وتفتح لها الأبواب المغلقة وتضع أقلامها بالفنادق كالجوهر المكنون و(تشيلها) على كفوف الراحة..
(6)
وبالمقابل فإن الصحافة التي تدعو إلى الفضيلة ومحاربة الظلم والفساد وتوخي العدل والإنصاف ومحاسبة اللصوص بالقانون من أجل نيل نُصرة الله الذي ينصرُ من ينصره، ولن ينصر من يظلم عباده، ولا من يقهر خلقه ولا من ينهب ممتلكاتهم ولا من يغفل عن محاسبة من يستحوذ على إغاثة النازحين والارامل والأيتام..
فإن فعلت الصحافة وكشفت المفسدين الذين يؤخرون النصر بأفعالهم وممارساتهم الخاطئة فلابد أن توضع في قائمة الخصوم والعملاء والخونة..لكن السؤال من الذي يضعها في هذه الخانة..والإجابة بسيطة :هم المستفيدون من أجواء العتمة والظلام ..هم خفافيش الظلام الذين ترتعد فرائصهم من أضواء الصحافة الحرة والتي ستكشفهم للرأي العام طال الزمن أو قصر..
(7)
لكل ذلك ..أقول أنه في زمن الحروب والأزمات تبدو الكثير من الصور مقلوبة يرتقي الوضيع المطبلاتي والانتهازي الحقير، وينخفض صوت الحق لقلة المناصرين..
ومع ذلك سنظل ندعو للفضائل التي تميزنا عن عدونا المغتصب ولن نمل الحديث عن الفساد وكشفه، ليقيننا أنه هو سبب مانحن فيه، وسندعو للانتصار على حظوظ النفس أولاً لأن ذلك هو طريق استحقاق نصر الله على الأعداء في الداخل والخارج مهما تجبروا ومهما امتلكوا من أسباب القوة المادية…فقط تذكروا: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)..أما إذا كنتم تريدون النصر من موسكو أو واشنطون أو انقرة ، فافعلوا ما شئتم فهذا لايحتاج إلى محاربة الظلم والفساد ، فقط اعلموا أن الله بالغٌ أمره.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.