الكتاب

نبض للوطن.. أحمد يوسف التاي: أسوأ ما في المشهد هذه الحية الرقطاء

خاص - صوت السودان

(1)

لاتجد أزمة سياسية أو إقتصادية،أو أمنية ولاتجد فتنة عنصرية أو قبلية إلا وراءها صراع سياسي حول السلطة.. والصراع السياسي حول الحكم والسلطة لخصه أهل الحكم والمُلْك السابقين في عبارة صورت السلطة على أنها حية رقطاء سامة تلدغ بلا رحمة كل من يقترب منها طمعاً في أخذ ما عندها…

تقول العرب المُلْك عقيم، وهي عبارة أول من قالها هارون الرشيد لولده المأمون: “يا بني المُلك عقيم ولو نازعتني أنت على الحكم لأخذتُ الذي فيه عيناك” وهي أبلغ وأدق عبارة تلخلص الصراع السياسي حول المناصب والمواقع من أدناها لأعلاها، وهل أزماتنا كلها في السودان إلا وراءها الصراع السياسي حول السلطة ….

لا شك إنَّ للمُلك والسلطة طبيعة تضع الحاكم في قالبها، ويقصدون بذلك طبائع البطش والقهر والاستبداد والقتل والتنكيل إمعاناً في حماية سلطة المُلك وكرسي الحكم، واستباحة المال العام… فمهما تصَنّع الحاكم التواضع والتبسُّط للناس في أول الأمر حملته طبيعة المُلك قسراً إلى الكِبْر والترفُّع والاستعلاء لأن طبائع الملك والسلطان والبطانة من حوله يدفعونه دفعاً لذلك، فيرى في التواضع والتبسُّط ضعفاً يغري الطامعين في عرشه ويُذهب هيبة المُلك، وفي الاستعلاء والترفع والكِبْر ضرورة لحففظ المكانة والمنزلة التي تليق بالحاكم هكذا تتراءى لهم الأمور، وهو في طريقة للتحول إلى دكتاتور، ثم بعد ذلك يستسهل سفك الدماء والقتل، فالذين كانوا ينظرون إلى الثوار في ميدان الاعتصام بإعجاب ارتدوا على ادبارهم قتلا وتنكيلا لأجل حماية العرش والملك العقيم.

(2)

مهما بدا الحاكم رقيقاً رحيماً وشفيقاً على الرعية نازعته طبيعة المُلك ووضعته في قالبها القاسي المستبد فيتحول إلى وحش كاسر يعتقل ويعذِّب وينكِّل ويقتل دون أن يطرف له جفن ولو اضطر إلى إبادة “ثلث” شعبه فيستسهل إراقة الدماء كما يستسهل الكلام… ومهما بدا صاحب المُلك والسلطان نزيهاً عفيفاً طاهر اليد والسان نازعته طبيعة المُلك إلى تلطيخ يديه بالمال الحرام والدم الحرام وكل ذلك من أجل حماية السلطة… الدم يُرهب به الخصوم والطامعين في سلطته فيقتل دون تورع والمال يشتري به الولاء… فهذه الطبيعة السلطوية المجرمة تضع الحاكم قسراً في قالب سفك الدماء والأوهام وهواجس حماية الكرسي بأي وسيلة والتصرف في المال العام كما لو كان قد ورثه عن أبيه…

(3)

التاريخ روى لنا قصصاً لحكام وملوك وسلاطين كانوا في بداية عهدهم  يتبسَّطون مع العامة فيأكلون ويشربون معهم، وكذا يفعلون حتى مع خدمهم وجواريهم حتى إذا طغت عليهم طبيعة المُلك العقيم نظروا للعامة من أبراج عاجية وصعّروا  خدودهم حتى لخلصائهم بأنفه وكبرياء، وأعملوا سيوفهم في الأصدقاء والأقارب قبل الأعداء والخصوم، ومن هؤلاء تزدحم ذاكرتي بأسماء ملوك منهم :عبد الرحمن الداخل ومحمد ابن ابي عامر ، والمعتمد بن عباد ، وأبي العباس السفاح وأخيه جعفر من ملوك الأندلس وبني أمية وبني العباس، والأمثلة كثيرة…..

 (4)

حُكام “الإنقاذ” السابقين ، والحكام  الحاليين  ليسوا بدعاً من أولئك ، فهل يخرجون من سُنة المُلك العقيم وطبائعة التي تضع “السلطان” في قالبها وإن بدا بسيطاً متواضعاً عفيفاً رحيماً؟…

 (ناس الإنقاذ)  في بداية عهدهم بهروا العامة بالتبسُّط المصطنع والتواضع والبساطة مع العامة، حتى أطلق عليهم إبراهيم شكري في مصر “صحابة القرن العشرين” فقد كانوا يحملون المواطنين على سياراتهم جيئةً وذهاباً لتخفيف أزمة المواصلات ، وكانت الوجبة التي يتناولونها داخل القصر الجمهوري عبارة عن “ساندوتش” فول، وما لبثوا إلا قليلاً حتى رأينا الثروات والأملاك وتواروا عن الأنظار وحجبوا أنفسهم عن العامة إلى أن وصلوا النقطة التي رأوا من “فوقها” جواز قتل “ثلث” الشعب من أجل الكرسي دون أن تأخذهم رحمةً أو شفقة…

 ورأينا كيف أن البشير هاج وماج عندما تناهى إلى علمه وجود جوال سكر بمنزل اسرته  وخشي أن يحاسبه الله عليه يوم القيامة وفقاً للرواية التي ذكرها صلاح كرار، حتى شهدنا نهاية الفيلم الهندي في 11ابريل 2019 بوجود كل عملات العالم مخبأة في بيته (دولارات ويورو واسترليني وريالات ودراهم).

إنهاشهوة المُلْك العقيم، فهي سُنة ماضية في السلاطين والحكام والملوك والأمراء، آيتها الصراع السياسي الذي تُستحلُ في ساحته كل الموبقات… اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى