الكتاب

أحمد يوسف التاي يكتب: فجيعة في راحلة الوطن

نبض للوطن

(1)
بالمعطيات المنظورة أن كلَّ شخصٍ يمتلك نصفَ عقلٍ سيرى السودان واقفاً على الزواية القائمة لحافة الهلاك المحتوم ..فإما أن ينزلقَ ويضيعَ كما ضاعت أوطانٌ كثيرة وتمزقت وتشتت وانهارت تماماً وأضحت أثراً بعد عين، أو أن يخرج إلى بر الأمان وينعم بالسلام.. وبينما السودان يقف على حافة الخطر، هناك من يدفعونه إلى الهَلَكةِ بوعي ومكرٍ ودهاءٍ حيث تقتضي مصالحهم الذاتية والحزبية ذلك، وهناك من يدفعونه إلى بؤر الدمار بدون وعي وهم يرددون كالببغاوات خطاب الكراهية والعنصرية ويزْكون نار الفتن القبلية ولايدرون أنهم يُساقون ويُستدرجون لغرس أنصالٍ مسمومة حادة في خاصرة الوطن الجريح أصلاً..
وهناك من يضعونه في جيب اللص الأجنبي حتى لايسرقه منهم منافسوهم ، ظناً منهم أن ذلك سيكون لهم حصناً وحرزاً ويحفظ لهم الكرسي المشئوم.. هل أدركتم سادتي حجم مأساة السودان وفجيعته في بنيه..
(2)
الذين قادوا خطام الوطن خلال الثلاثة عقود الماضية واعني “الإنقاذيين” لم يكن منهج تفكيرهم منهج تفكير رجل الدولة فكانت نظرتهم الأبعد حزبية بحته، وشواغلهم الأعلى ذاتية محضة..
فأضعفوا المؤسسات القومية لصالح مؤسساتهم الحزبية، حتى المؤسسة العسكرية القومية أضعفوها لصالح ميليشيات حزبهم وسلطتهم ونظامهم ، أما بقية المؤسسات القومية فحدث ولاتبالي ولا تكلمني عن مشروع الجزيرة ولا النقل الميكانيكي ولا أيٍّ من المؤسسات القومية الناجحة التي أحالوها إلى دمار …حتى الأحزاب التي كانت تشكل عنصر وحدة وبوتقة للإنصهار القبلي والإثني أضعفوها لصالح النظرة الحزبية الضيقة، ونتيجة لذلك تناسلت من الأحزاب الكبيرة الحركات المسلحة، والاحزاب الصغيرة التي امتهن كوادرها وقياداتها السياسة كمهنة للتكسب المادي البحت بشتى ضروب الانتهازية والانبتزاز السياسي، محاولين سد الفراغ الذي نتج عن إضعاف الأحزاب التقليدية الكبيرة..
وهكذا قادوا خطام راحلة الوطن إلى حيث الوحل حينما (راح ليهم الدرب في الموية) لتغوص أرجلها في الوحل حتى إذا ما استوت عليه تركوها تئِنُ بأحمالها الثقيلة.. ثم جاء الذين من بعدهم من جماعات الحرية والتغيير..
(3)
جاء الذين من بعدهم بلا فكر ولا رؤية ولاخبرة حتى شهد شاهد منهم وهو أستاذنا المحترم فيصل محمد صالح، شهد بأن القائمين على أمر حكومة الثورة أقل قامة منها…نعم لقد كان بعضهم أقزاماً فقزموا ثورة الشعب السوداني العملاقة..جاءوا بمقدرات كوادر جامعية لاتجيد إلا خطاب أركان النقاش، وجاء بعضهم بمؤهلات ناشط سياسي لا قدرات سياسية ولامؤهلات رجل دولة، وجاء بعضهم مدفوعاً برغبات الانتقام بشكل جامح ، ومتلفح بعباءة الإقصاء حتى لشركائهم المدنيين..ولهذا استعصى عليهم أمر إنقاذ الراحلة الوَحِلة باحمالها العظام وانتشالها..
فتركوها نهباً للِّصوص وقطاع الطرق والمتربصين والطامعين بالخارج والداخل…حتى جاءتها الذئاب الغادرة فانقضت على ما تبقى منها بسبب ضعفهم وخوارهم وهوانهم…جاءت الذئاب الغادرة الناقمة لتلتهم كل شيءٍ ولم تستبقِ شيئاً…
(4)
تأسيساً على ما سبق نقول نحن جميعاً في ورطة، راحلتنا غائصة في الوحل وتتربص بها الذئاب الغادرة من كل جانب…
ولاسبيل لإنقاذها إلا أن نكون يداً واحدة تتجاوز الأحزاب وصراعاتها القذرة ، وتتسامى فوق الجراحات والصغائر وتتخطى كل الصعاب والعوائق، وتصمم خطاباً قومياً عقلانياً يخاطب العقول بدلا من أساليب التهويش وإثارة العواطف والحماقات ..
خطاباً يتجاوز التُرّهات العنصرية وزخائم الكراهية والبغضاء وكل المنكرات،وفوق كل ذلك خطاباً يعلي شان القانون وهيبة الدولة…فإن أردتم وطناً منيعاً مستقراً فافعلوا، واعلموا أن الانتقام لايبني وطناً وأن الإقصاء لايشيد مجداً ولاعزاً، وإنّ أخْذَ القانون باليد هو معولٌ لهدم الاوطان…فأين ما وُجد القانون وجدت الأوطان المستقرة الناهضة، ومتى ما غاب القانون تحولت الأوطان المستمرة الآمنة إلى غابة تتنازع فيها الوحوش ،القوِيُّ فيها آكِلٌ والضعيف مأكول…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى