لدي علاقات ودية مع عدد من السياسيين من مختلف الأحزاب، من بينهم
الإسلاميون (الكيزان)، إما بحكم الزمالة في الدراسة، او نتاج لقاءات اجتماعية، وذلك رغم أنهم يعرفون أنني لا أتفق معهم في فكرهم وسياساتهم، وربما أسهم في ذلك أنني وبسبب عدم انتمائي الحزبي لم أكن قط طرفا في خصومات سياسية فاجرة، ولمست ممن آخيتهم من الكيزان الود الصادق نحوي، وكان كثيرون يتعجبون من العلاقة الودية بيني وبين الخال الرئاسي الطيب مصطفى، والذي كان شرسا ضد الخصوم بالكلمة المكتوبة والمنطوقة، وتعرفت عليه عملنا سويا في أبو ظبي، واستمرت العلاقة متقطعة بيننا لسنوات طويلة، وكان كثير من معارفي يتعجبون لأنني كنت مثلا اتلقى مكالمة هاتفية من الطيب، وانفجر ضاحكا عدة مرات اثناء المكالمة، ويتساءلون: معقول الطيب يقول كلام يضحك؟ فأقول لهم إنه شخص ساخر ضحوك، فيقولون عني انني “ما نصيح”، وعبد الرحمن عثمان الزومة كوز شرس ومتشنج في نظر كثيرين، وقد يتجلى ذلك في مقالاته المنشورة، ولكنني عرفته منذ مدرسة وادي سيدنا الثانوية ضحوكا وصاحب دعابة
وهناك عبد الرحيم محمد حسين، الذي شغل عدة مناصب وزارية حتى آخر دقيقة من عمر نظامهم، وكنت أعرف أنه من كبار مهندسي انقلاب يونيو 1989 المشؤوم، ولكنني وجدته على المستوى الاجتماعي شخصا بسيطا وودودا وضحوكا، وفاز بلقب اللمبي لأن قدراته الخطابية ضعيفة، ولكنه تنظيميا داهية ماكر ماهر، وكان عبد الرحيم يعرف انني وشقيقي محجوب الذي زامله وبكري حسن صالح في مدرسة دنقلا الثانوية، نعارض حكومتهم بالطول والعرض في حدود استطاعتنا، ولكن ذلك لم يمنعه من التواصل الاجتماعي معي كلما زرت السودان (ذات مرة قال لي: ياخي ارجع السودان وانت كاتب كبير، وتقدر تعيش عيشة كويسة هنا، فقلت له: انتم اشتريتم كذا صحفي بشقق سكنية، وطالما قلت اني كاتب كبير اشتروني بواحدة من الفيلل الرئاسية، وضحك وقال: أتذكر كلام البشير وراجع نفسك)
فخلال تشجيع جثمان صديقي وقريبي حسين السيد علي قورتي، في مقابر فاروق، سحبني عبد الرحيم من يدي ونحن في منطقة شبه مظلمة ثم وقف وسط مجموعة من الناس الأشداء، وصاح يا ريس دا جعفر عباس، فإذا بالرئيس عمر البشير يمد يده الي قائلا: أهلا ود حلتنا، وكان بهذا يشير الى مقالات كتبتها عن قيامي بامتلاك بيت في كافوري حيث بيت الرئيس، وقلت فيه بالحرف الواحد انني فعلت ذلك من باب “في جاه الملوك نلوك”، وقال لي أبيخ كلام ممكن يسمعه مغترب: تبنوا البيوت الحلوة وانتو قاعدين بره، وبعدين يفرشوا عليكم فيها”، والتقيت بالبشير مرة ثانية وأخيرة في عقد زواج بنت احد اقربائي، ، وسألته عن عبد الرحيم، ولم يجب على سؤالي، بل أجرى اتصالا هاتفيا مع شخص ما، وناولني الهاتف وأنا مندهش، فكان على الطرف الآخر عبد الرحيم وكان وقتها وزيرا للدفاع. وقال لي: انا متابع عمليات في جنوب كردفان وأحصلكم بعد شويه، فقلت له -والله على ما أقول شهيد- على مسمع من البشير: طالما أن تدير عمليات حربية بواتساب، ممكن غيرك يقوم بالمهمة دي، وضحك البشير قائلا: ضربة معلم
كان السكرتير الصحفي للبشير، محجوب فضل بدري، يتصل بي هاتفيا بين الحين والآخر، مداعبا لي حول ما جاء في مقال لي هنا أو هناك، ويقول لي مثلا: وريت الرئيس “نصيحتك” لعبد الرحيم وبكري عشان يفرزوا عيشتهم كنوبيين وينتزعوا الحكومة من الجعليين واولاد العرب، والرئيس قال ليك: إلا تقلعوها رجالة، وعلمت من محجوب انه يعرض على البشير بعض مقالاتي “الملغومة” على حد تعبيره.