(1)
في مطلع الألفية الثالثة ظهرت دراسة تشير إلى أن(47%) من السودانيين لاينتمون لأحزاب سياسية،فيما أطلق عليهم البعض الأغلبية الصامتة..
وأجد نفسي بكل تأكيد ضمن هذه المجموعة المتحررة من أي قيود حزبية..وإن جاز لي الحديث باسم أي جهة فأجد نفسي أمْيَل لهذه المجموعة التي تمثلني..والتي غالباً ما يقع عليها الظلم وهي التي تدفع الثمن الأغلى عند الكوارث والملمات.
النسبة أعلاه قابلة للزيادة وليس النقصان، لكن مهما قلت أو كثُرت ستظل هناك أغلبية مستقلة ليس لها ارتباط حزبي ولم تتقيد بقيود تنظيمية.
أهم ما يميز هذه الأغلبية أن صوتها خفيض بعكس نظرائهم المنتمين لأحزاب من أصحاب الحناجر الغليظة والصوت العالي.. حتى إنك لتجد حزباً صغيراً جداً لايتجاوز عدد اعضاؤه ركاب “هايس” لكنه يصدر ضجيجاً يصم الآذان، وربما تجد حزباً عبارة عن لافتة فقط، رئيسه وناطقه الرسمي وعضويته الفاعلة عبارة عن شخص واحد ولكنه يملأ الدنيا صراخاً..
(2)
واما الأحزاب الكبيرة فتعبر عن مصالح الفاعلين فيها عِوضاً عن مصالح البلاد العليا والشعب..ومتى ما سطت هذه الأحزاب على السلطة أو تسللت إليها تصبغ الحياة السياسية والاجتماعية بلونها هي، وتنكر اي لون آخر بل تسعى لطمس بقية الألوان ، و”تتفرعن” بحيث تريد من الكل أن يروا ماترى هي وتجيِّر كل ماهو عام للخاص والذات الحزبية وتزيل كل الفواصل بين العام والخاص وتخلط بين المؤسسات العامة والحزبية..
(3)
مهما قيل عن نسبة المتحررين من القيود التنظيمية ومهما اختلف الناس حول هذه النسبة اعتقد أنها ماضية نحو الارتفاع والزيادة إذ أن بعض الأعضاء بصورة أو بأخرى تحرروا من الانتماء الحزبي وذهدوا في الأحزاب لكثرة اخطائها الاستراتيجية والتاكتيكية وقلة منتوجها الفكري وقلة انجازاتها وتضحياتها مع تعدد صراعاتها وحياكة الدسائس والتآمر لبعضها مما تسبب في صناعة الأزمات وعدم الاستقرار ،بجانب التفنن في إقصاء الآخر أوإلغائه تماماً ، ولهذا لم تعد الأحزاب تجذب أحداً خاصة الشباب، ودليلي على ما تقدم أن هناك الآلاف من الشباب غير منتمين لأحزاب اظهرتهم ثورة ديسمبر، وهناك آخرون أظهرهم الانتماء للحركات المسلحة والتنظيمات الاستقلالية، والكيانات المطلبية…وهنا تكمن الأزمة الحقيقية…أزمة الحكم الرشيد الذي لن يتأتى إلا بأحزاب وطنية فاعلة..فغياب الحكم الرشيد وغياب سيادة القانون يعني غياب أحزاب سياسية مؤهلة ومؤثرة، وهذا أس البلاء وهو ماينتج كل الأزمات والكوارث…وإن مجرد وجود حكم شمولي دكتاتوري يعني تراكم الأزمات التي تنذر بالإنفجار في أية لحظة…
(4)
ضعف الأحزاب وصراعاتها ونفور الناس منها يعني أن هناك أزمة كبيرة في الحكم…إذ لايستقيم الحكم الديمقراطي الرشيد إلا في ظل أحزاب وطنية فاعلة وقوية ومقنعة للناس وجاذبة لهم، فهي جزء أصيل من وسائل الحكم الرشيد ولكنها للأسف تفتقد الرشد والبناء الديمقراطي في نفسها وفاقد الشيء لن يعطيه ابداً..
لذلك فإن أول خطوة في الحكم الرشيد والديمقراطية هو الاهتمام ببناء أحزاب وطنية قوية ذات رؤية استراتيجية واهداف وطنية، بعيدا عن تلك الخلافات الانتهازية التي تمارس السياسة من أجل التكسب المادي والمصالح الخاصة …إذن المطلوب إصلاح الأحزاب أولاً…قبل أن ينفذ البرهان والعطا وعودها التي قطعوها بتسليم السلطة لاحزاب منتخبة بعد نهاية الحرب…اللهم هدا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.