السفير الصادق المقلي يكتب: الجنائية الدولية أول صفعة تاريخية في وجه الصلف الإسرائيلي
اصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارا بإصدار مذكرات توقيف دولية في حق رئيس الوزراء نتنياهو و وزير دفاعه غالانت.. بتهمة ارتكاب جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية في غزة..
كانت هذه اول صفعة تاريخية في وجه الصلف و العدوان الإسرائيلي منذ عام احتلالها للاراضي العربية عام 1967…اذ كانت منذ ذلك الوقت تفلت من العقاب بفضل الحصانة من الادانات و المساءلة الجنائية الدولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية..
تعني مذكرة الاعتقال أن نتنياهو أصبح الآن مطلوباً دولياً، وأن الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 124 دولة بما في ذلك بريطانيا ستكون ملزمة باعتقاله واعتقال غالانت إذا دخلا أراضيها..
بوصفه عضوا في الفريق القانوني لممثلي الضحايا أمام الجنائية الدولية، وصف المحامي عبد المجيد مراري قرار أمس بـ”الموقف الجريء” و”السابقة القضائية” في تاريخ العدالة الدولية، لأنه لأول مرة تَثبت صفة مجرم حرب على مسؤول إسرائيلي، مضيفا أن المحكمة دافعت عن نفسها أولا وانتصرت للشعب الفلسطيني،
من جانبه، وصف أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، إلياف ليبليتش، قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه “التطور القانوني الأكثرت دراماتيكية في تاريخ إسرائيل”، مضيفا في مقابلة مع CNN: “المعنى المباشر هو أن الدول الـ124 الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، والتي تضم معظم أقرب حلفاء إسرائيل، ستكون ملزمة قانونًا باعتقال نتنياهو وغالانت إذا كانا موجودين على أراضيها”.
قبل ان ندلف الي تداعيات و ردود الفعل عن هذا القرار التاريخي نعطي فذلكة تاريخية عن تطور العدالة الدولية..
في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية راودت منظمة الأمم المتحدة فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة و العمل على أحداث آليات تعاقدية تعنى بحقوق الإنسان الأساسية و بالقانون الدولي الإنساني الذى يعنى بالحروب و النزاعات فى العالم… الفكرة ولدت من رحم فظائع الحروب العالمية التى راح ضحيتها عشرات الملايين في أوربا و أصاب العديد من المنشآت الدمار و الخراب الذي تم درؤه فيما بعد من بفضل المبادرة الأمريكية المعروفة بخطة مارشال.. فكانت أولى هذه الآليات التعاقدية الملزمة للدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.. الإعلان العالمى لحقوق الانسان و اتفاقية منع الإبادة الجماعية و كلاهما فى عام ١٩٤٨…و من بعد ذلك اتفاقيات جنيف الاربع عام 1949 و التى الحق بها فيما بعد البروتوكولات الإضافية الثلاث الاول والثاني عام 1977, تعنى بشئون جرحى و أسرى الحروب…و الثالث عام 2005,الخاص بإضافة إشارة اضافيه..كريستالة تضاف لشارتي الصليب الأحمر و الهلال الأحمر..
. و قد انبثقت من اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 هذه فكرة إنشاء محكمة جنايات دولية دائمة كلفت بها لجنة القانون الدولي. كنقلة نوعية فى تطور العدالة الدولية. ..
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها تم من قبل الحلفاء تشكيل محكمتي نورنبرغ في المانيا عام 1945 لمحاكمة الضباط النازيين و محكمة طوكيو عام 1946..و هي محاكم عسكرية ايجازية حيث كان الحلفاء هم الخصم و الحكم. The court of the victors..محكمة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ضد المنهزمين ..
ظروف الحرب الباردة عطلت من عمل لجنه القانون الدولي حتى نهايتها فى عام 1990 .. عند سقوط الرايخ الثالث و استسلام ألمانيا… و شهدت الفترة إندلاع حروب تمت فيها أبادة جماعية فى يوغسلافيا ١٩٩٣ و رواندا عام ١٩٩٤ دفعت مجلس الأمن الدولي إلى إنشاء محكمة خاصة ليوغسلافيا فى لاهاى و أخرى لرواندا فى اروشا كمحاكم غير دائمة. ٠٠٠
و استأنفت لجنة القانون الدولي من بعد ذلك عملها في إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة… و بالفعل عقدت اللجنة ست اجتماعات تمهيدية Prepcoms… أعقبها مؤتمر روما عام ١٩٩٨ للدول الاعضاء في الامم المتحدة..و الذي تمخض فى الاول من يوليو ١٩٩٨ عن اجازة ميثاق روما بأغلبية ١٢٠ دولة و معارضة سبع دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل. و امتناع ٢١ دولة عن التصويت..
( ب ) تسييس العدالة الجنائية الدولية.
في اعتقادي أن إقحام مجلس الأمن في ترتيبات المحكمة الجنائية الدولية فيه تسييس للعدالة الدولية. اذ ان المادة الخاصة بالتصويت 27 في ميثاق الأمم المتحدة تحصن الدول دائمة العضوية في في مجلس الأمن ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية..إذ نصت علي ضرورة الحصول على موافقة كل الدول دائمة العضوية علي اي قرار يصدر من مجلس الأمن و عدم اعمال اي منها لحق النقض الفيتو ..و لذلك تم تحصين حليفة امريكا اسرائيل إذ لم يمر تقرير قولدن استون .. من جنوب افريقيا.رئيس اللجنة الدولية للتحقيق في غزو و حصار إسرائيل لقطاع غزة في عام 2009,,حيث اصطدم عرض التقرير علي مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي رغم أنه اشتمل على جرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب في حق إسرائيل و توصية بالإحالة الي المحكمة الجنائية الدولية كما حدث في حالة دارفور لأن اسرائيل ليست طرفا في ميثاق روما.و لعل تصويت كل من روسيا و الصين بالامتناع علي القرار 1593 لعام 2005 الذي احال الوضع في دارفور لاهاي ، ادي الي تمرير القرار…و ما اعقب ذلك عام 2009 الي اصدار مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير و رفاقه..
الولايات المتحده الامريكيه لا تعترف اصلا بالمحكمة الجنائية الدولية. حيث بعد أن وقعت علي ميثاق روما، ، في إدارة بوش الجمهوريه سحبت توقيعها في عهد كلنتون الديمقراطي…….
بل إن الولايات المتحدة الأمريكية عملت علي تحصين مواطنيها ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتي قبل ٱنعقاد مؤتمر روما 1998 .. حيث خاطب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي رئيس وفد بلاده ،،،قائلا..إن انشاء اي محكمة جنائية دولية دائمة في غياب فيتو امريكي سوف يصطدم برفض لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي….
Any establiment of a permanent international court without a clear US Veto will be dead on arrival at the Senate Foreign Relations Committee
و هذا لعمري أحد أهم عوار النظام الدولي.. one of the main flaws in the international system..
و مرة أخرى حصنت واشنطن مواطنيها و حلفاءها ضد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية باستصدارها قرار مجلس الأمن 1422لعام 2002,اى بعد أيام قلائل من دخول الميثاق حيز النفاذ. و ذلك في ابتزاز للمجتمع الدولي حيث كان يومها تمديد بعثة حفظ السلام في البوسنة والهرسك … حيث هددت واشنطن بإيقاف مساهماتها في تمويل بعثات حفظ السلام.
..و لذلك فإن واشنطن تأخذ القانون الدولي ..كما تأخذ المؤسسات المالية الدولية بيدها ..شاء من شاء و أبي من أبي …
هناك اتهامات و انتقادات طالت المحكمة من حيث تسييسها باقتحام مجلس الأمن في إجراءاتها و بحصر ملاحقاتها القضائية بصفة عامة في افريقيا… حيث تعالت الأصوات في داخل الاتحاد الافريقي بالانسحاب منها ..و من حيث غضها النظر عن القادة في امريكا و اوروبا من شاركت بلدانهم في حروب خارجية ارتكب فيها جنودهم جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ،كما هو الحال لتوني بلير و بوش هو لحقوق الإنسان و للقانون الدولي الإنساني في سجون ابوغريب في العراق و معتقل غوانتانامو…كما أن المحكمة تفتقر إلى آليات ملاحقة للجناة و تعتمد على تعاون الدول الأطراف في ميثاق روما.. فضلا عن أن دولا تشكل ثلثي دول العالم مثل الصين و روسيا و الهند و امريكا و اندونيسيا ليست بأطراف في ميثاق روما المؤسس لهذه اى الدولية..و دونكم الكثير من مذكرات التوقيف الدولية التي ظلت حبيسة الإدراج. .. …إذ ظلت ضحية لنظام دولي أسس بناينه علي الانتقائية و ازواجية المعايير ..بتسيس هذه العدالة باقحام مجلس الأمن في ترتيباتها…الأمر الذي جعل الدول الخمسة الاعضاء و حلفاءها محصنة ضد انعقاد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية علي مواطنيها ..و خير مثال لذلك أعمال امريكا لحق الفيتو ضد ملاحقة للمحكمة الجنائية الدولية لمواطنيها و مواطني إسرائيل ..بل وصل بها الحد لاصدار عقوبات ضد قيادة هذه المحكمة الجنائية الدولية.. كما سنري في الجزء الثاني من المقال حول
التداعيات و ردود الفعل عن هذا القرار التاريخي..