*(سوق الذهب مقبرة والجثث اكلتها الكلاب ومحطة التلفزيون غرفة تعذيب) صحفي إيرلندي يوثق ثلاثة اسابيع من قلب الخرطوم*
رصد - صوت السودان
مقال صحفي اجنبي زار السودان…
حرب على النيل تدفع السودان نحو الهاوية (1)
بقلم: ديكلان والش
إعداد الترجمة: حسام عثمان محجوب
أمضى ديكلان والش وإيفور بريكيت ثلاثة أسابيع في السودان، الذي ظل مغلقاً أمام معظم الصحفيين الأجانب منذ بدء الحرب.
5 يونيو 2024
سوق الذهب أصبح مقبرة للركام والجثث التي أكلتها الكلاب، وتحولت محطة التلفزيون القومية إلى غرفة تعذيب. تم تدمير أرشيف الفيلم الوطني في المعركة، وفسدت كنوزه تحت أشعة الشمس.
تحلق القذائف المدفعية فوق نهر النيل وتقصف المستشفيات والمنازل. يدفن السكان موتاهم خارج أبواب منازلهم الأمامية. يسير آخرون في تشكيلات عسكرية، وينضمون إلى الميليشيات المدنية. في جناح المجاعة الصامت، يكافح أطفال جائعون من أجل الحياة، وكل بضعة أيام يموت أحدهم.
تحولت الخرطوم، عاصمة السودان وواحدة من أكبر المدن في أفريقيا، إلى ساحة معركة متفحمة. أدى الخلاف بين جنرالين يتقاتلان من أجل السلطة إلى جر البلاد إلى حرب أهلية، وتحويل المدينة إلى مركز واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
لقي ما يصل إلى 150 ألف شخص حتفهم منذ اندلاع الصراع العام الماضي، حسب التقديرات الأمريكية. وتقول الأمم المتحدة إن تسعة ملايين آخرين أجبروا على ترك منازلهم، مما يجعل السودان موطناً لأكبر أزمة نزوح على وجه الأرض. وتلوح في الأفق مجاعة يحذر المسؤولون من أنها قد تقتل مئات الآلاف من الأطفال في الأشهر المقبلة، وإذا لم يتم وقفها، فإنها ستنافس المجاعة الإثيوبية الكبرى في ثمانينيات القرن الماضي.
ومما أدى إلى تأجيج الفوضى أن السودان صار ملعباً للاعبين الأجانب مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران وروسيا ومرتزقة فاغنر، وحتى بعض القوات الخاصة الأوكرانية. إنهم جميعاً جزء من شبكة معقدة من المصالح الخارجية التي تضخ الأسلحة أو المقاتلين في الصراع على أمل الاستيلاء على غنائم الحرب – ذهب السودان، على سبيل المثال، أو موقعه على البحر الأحمر.
قال سموأل أحمد وهو يشق طريقه عبر بقايا سوق شهير، مروراً بمتاجر المجوهرات المنهوبة ودبابة مشوهة، إن المأساة الكبرى هي أن أياً من ذلك لم يكن ضرورياً. قبل عام، في الأسابيع الأولى من الحرب، سقط صاروخ على شقته، وأغلق المختبر الطبي الذي كان يعمل فيه إلى الأبد. والآن عاد لإنقاذ ما يستطيع إنقاذه.
قال وهو يحمل مجموعة من الوثائق التي تم انتشالها من حطام منزله: “لقد فقدت كل شيء”؛ الشهادات المدرسية لأطفاله، ومؤهلاته المهنية، وجواز السفر. وعلى الجانب الآخر من الشارع، كانت بقايا ثلاثة مقاتلين ذابلة تحولت إلى عظام متناثرة بين الحطام.
قال سموأل: “إن هذا المنظر يصيب معدتي بالاضطراب. كان من الممكن تجنب كل هذا”.
اندلعت الحرب دون سابق إنذار في أبريل 2023، عندما تحول التوتر بين الجيش السوداني ومجموعة شبه عسكرية قوية ساعد الجيش في تشكيلها – قوات الدعم السريع – إلى إطلاق نار في شوارع الخرطوم.
لم يتوقع كثير من السودانيين أن يستمر ذلك لفترة طويلة. فمنذ الاستقلال في عام 1956، شهدت بلادهم عدداً من الانقلابات أكثر من أي بلد آخر في أفريقيا، وكان أغلبها قصير الأمد وغير دموي. ولكن المتنافسين هذه المرة – الجيش الوطني والقوة شبه العسكرية التي كانت تقوم بمهامه القذرة في فترة سابقة – كانا قد استوليا على السلطة معاً في عام 2021، ثم اختلفا حول كيفية دمج جيشيهما.
العاصمة المختالة أصبحت ساحة معركة
تحدد الخريطة الخرطوم الكبرى، العاصمة المثلثة للسودان، والتي تشمل الخرطوم من الجنوب، وبحري من الشمال، ومدينة أم درمان من الغرب. تسيطر قوات الدعم السريع على معظم الخرطوم وبحري، ويسيطر الجيش السوداني على الأجزاء الشمالية والوسطى من أم درمان، في حين لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على مناطق واسعة من غرب وجنوب أم درمان.
على الفور تقريباً، مزق القتال الخرطوم ومناطق أبعد منها، في موجات متدفقة اجتاحت بسرعة ثالث أكبر دولة في أفريقيا. لقد أذهل الدمار السودانيين، ولكن لا يبدو أن أياً من الطرفين قادر على تحقيق النصر، بينما تتحور الحرب إلى حرب مدمرة مفتوحة.
والآن هناك إبادة جماعية أخرى تهدد دارفور، المنطقة التي أصبحت مرادفاً لجرائم الحرب منذ عقدين من الزمن. وأصبحت مناطق الزراعة في الجزيرة ساحات قتال في سلة غذاء البلاد. النظام الصحي ينهار. وقد انضم إلى القتال عدد كبير من الجماعات المسلحة، بما في ذلك إسلاميون متشددون ومرتزقة أجانب وحتى متظاهرون سابقون مؤيدون للديمقراطية.
ومع تعثر محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة، تنهار الدولة السودانية وتهدد بجر منطقة هشة معها. فالخبراء يقولون إنها مسألة وقت قبل أن تتورط إحدى الدول المجاورة للسودان، مثل تشاد أو إريتريا أو جنوب السودان في الصراع.
الصراع في السودان له تداعيات عالمية، على الرغم من أن حربي غزة وأوكرانيا طغتا عليه في كثير من الأحيان. فإيران، المتحالفة بالفعل مع الحوثيين في اليمن، تدعم الآن قوات عسكرية على جانبي البحر الأحمر. كما يخشى الأوروبيون موجة من المهاجرين السودانيين المتجهين إلى شواطئهم. وحذر تقييم حديث للمخابرات الأمريكية من أن السودان الذي ينعدم فيه القانون قد يصبح ملاذاً “للشبكات الإرهابية والإجرامية”.
لقد أمضينا ثلاثة أسابيع في أنحاء السودان، حيث لم يتمكن سوى عدد قليل من المراسلين الأجانب من الوصول إليه طوال العام الماضي.
سافرنا من بورتسودان، عاصمة الأمر الواقع الجديدة على البحر الأحمر، حيث لجأ ما يقرب من ربع مليون شخص.
قدنا عبر عواصف رملية وعشرات نقاط التفتيش التي يحرسها مقاتلون عصبيون، حتى وصلنا إلى الخرطوم، المدينة المدمرة حيث بدأت الحرب.
مع اقترابنا من العاصمة، دوت أصوات المدفعية، وحلقت طائرة حربية في سماء المنطقة، وعبر نهر النيل، تصاعد عمود من الدخان الزيتي من أكبر مصفاة في السودان – وهي أحدث نقطة اشتعال في معركة مدن مترامية الأطراف. وبينما كانت المدينة مضطربة، نمنا في منزل مهجور، حيث أخبرنا أحد الجيران كيف قتلت قنبلة أخته في مطبخهم.
لقد كانت مجرد منطقة واحدة من بلد أكبر بثلاث مرات من فرنسا. ومع ذلك، كان من الممكن أن نرى، عن قرب، الضرر الهائل الذي لحق بالعاصمة التي كانت تعتبر ذات يوم جوهرة على نهر النيل – وكيف أنه إذا لم يتم التصدي لها، فمن الممكن أن تزداد الأمور سوءاً.
النهر:
تناثرت أصوات إطلاق النار وقذائف الهاون في المياه المحيطة بالعقيد عثمان طه، وهو ضابط في الجيش السوداني مصاب بجروح بالغة، أثناء عبوره نهر النيل في ليلة غاب عنها القمر في نوفمبر الماضي. يتذكر أنه كان هناك جنود جرحى آخرون يتحلقون حوله في القارب، على أمل تجنب التعرض للقصف مرة أخرى، ولكن مات عدد منهم.
وصل العقيد عثمان إلى الضفة الأخرى، وبعد خمسة أيام بترت ساقه اليمنى. وحتى بعد ذلك، لم يشعر بالراحة. أضاف أنه أثناء تعافيه في المستشفى العسكري المطل على النيل، سقطت قذائف على جدرانه أطلقتها قوات الدعم السريع عبر النهر. وقام المرضى بتحريك أسرتهم لتجنب التعرض للقصف أثناء سقوط القذائف.
لقد شكل النيل هوية الخرطوم منذ فترة طويلة، حيث يقترن رافداه في وسط المدينة قبل أن يتدفق شمالاً عبر الصحراء إلى مصر. والآن، يقسم النهر العظيم الخرطوم عسكرياً أيضاً، فهو خط جبهة آخر في العاصمة المنقسمة.
يتحصن القناصة على ضفة النهر تحت جسر عملاق، تم تفجيره أثناء القتال (كوبري شمبات). طائرات بدون طيار تحلق فوق الماء بحثاً عن أهداف. يقول السكان إن جزيرة في وسط نهر النيل (توتي)، حيث كان الناس يتنزهون ويسبحون، أصبحت أشبه بسجن في الهواء الطلق تسيطر عليه قوات الدعم السريع.
قالت الدكتورة مناهل محمد لنا “انتبهوا لخطواتكم”، وهي تقودنا إلى الطابق الرابع من مستشفى علياء التخصصي، المطل على النيل، حيث أتاحت النوافذ المحطمة منظراً بانورامياً صارخاً.
في الشارع المهجور في الأسفل، تجمعت سيارات محترقة حول مبنى البرلمان. وعلى مسافة بعيدة كان هناك منظر وسط مدينة الخرطوم: الوزارات الحكومية والفنادق الفاخرة والمباني الشاهقة التي برزت فوق فقر المدينة، والتي تم بناء الكثير منها خلال الطفرة النفطية في السودان في تسعينيات القرن الماضي، والتي تعرضت الآن للقصف أو التهمتها النيران. من بينها كان يقف القصر الجمهوري القديم حيث أطاح أنصار المهدي، رجل الدين، بالحاكم العام البريطاني للبلاد، تشارلز غردون، وقطعوا رأسه في عام 1885. وقد تصاعد الدخان من القصر أيضاً.
من كثير من النواحي، يعتبر الدمار الذي حدث في الخرطوم بمثابة تصفية حساب تاريخي مرير. على مدار أكثر من نصف قرن، شن الجيش السوداني حروباً قبيحة في الأطراف البعيدة للبلاد، وقام بقمع التمردات من خلال نشر ميليشيات لا تعرف الرحمة. بينما تُركت الخرطوم على حالها، وسكانها معزولون عن عواقب الحروب التي تم خوضها باسمهم.
والآن، انقلبت أقوى مصنوعات الجيش – قوات الدعم السريع، التي خلفت ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة التي روعت دارفور في العقد الأول من هذا القرن – ضد الجيش وجلبت الفوضى إلى العاصمة.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نصف سكان ولاية الخرطوم البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة فروا من البلاد. المطار الدولي مغلق، والطائرات الممتلئة بالرصاص مهجورة على المدرج. يقول المسؤولون إن جميع فروع البنوك في المدينة البالغ عددها 1060 تقريباً قد تعرضت للسرقة، كما سُرقت عدة آلاف من السيارات – وقد وصل بعضها لاحقاً إلى النيجر، على بعد 1500 ميل غرباً – في حملة نهب من شارع إلى شارع، معظمها وليس كلها، من قبل قوات الدعم السريع.
قال محمد الضو، وهو مصرفي” “مدينة بهذا الحجم، وهذه الثروة، ولا يبقى منها شيء؟ يجب أن تكون هذه أكبر عملية نهب في التاريخ”.
في مستشفى علياء، بددت أصوات قذائف مدفعية الهدوء. وبعد أن حذرتنا الدكتورة مناهل من القناصة، حثتنا على العودة إلى الداخل.
وأضافت أن القذائف ظلت تتساقط على مدى أشهر على المستشفى، الذي كان يعالج في الغالب عسكريين، وكثيراً ما اخترقت جدرانه. مع انقطاع الكهرباء، يجري الجراحون العمليات الجراحية على ضوء الهواتف المحمولة.
جاء الفرج في فبراير عندما استعاد الجيش، المسلح بمسيرات إيرانية قوية جديدة، هذا الجزء من المدينة. (على النقيض من ذلك، تستخدم قوات الدعم السريع مسيرات توفرها الإمارات العربية المتحدة).
وسمح التقدم العسكري بإجلاء مئات من الجنود الجرحى جواً إلى بورتسودان، حيث يرقدون في أجنحة مزدحمة بمستشفى عسكري. أصيب رجل بجروح خطيرة في الوجه جراء غارة بطائرة بدون طيار. وعمليات البتر شائعة.
من بين الأشخاص الذين تم إجلاؤهم العقيد عثمان، الذي جلس على سريره ليعرض سلسلة من مقاطع الفيديو التي التقطها خلال معركته الأخيرة. حيث يمكن رؤية الجنود مبتهجين وهم يهتفون ويتعانقون، معتقدين أنهم انتصروا. بينما يرقد مقاتلو الدعم السريع في التراب وهم ينزفون ويتعرضون للركل أو الاستهزاء من قبل الجنود. تنقلب الكاميرا لتظهر العقيد عثمان نفسه، وهو يتصبب عرقاً بشدة، وعيناه تلمعان من ضراوة المعركة.
لكن الجنود غفلوا عن هدف واحد من قوات الدعم السريع؛ مقاتل، قناص يختبئ في مبنى سكني أطلق النار على العقيد عثمان في ساقه. قال العقيد إنه في وقت لاحق من تلك الليلة، نقله المسعفون إلى مصنع للذخيرة بجانب نهر النيل، حيث شرعوا في رحلة عبورهم المحفوفة بالمخاطر.
كان متشائماً من أن الحرب ستنتهي في أي وقت قريب. وأضاف: “لا يمكن للسلاح أن يحل هذه المشكلة، نحن بحاجة إلى الحديث عن السلام”.
جناح المجاعة:
بالنسبة لآمنة أمين، الحرب تعني الجوع.
بعد أن اجتاح مقاتلو قوات الدعم السريع المنطقة التي تعيش فيها من أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل الخرطوم الكبرى، لم يكن لدى السيدة آمنة، 36 عاماً، أي وسيلة لإطعام أطفالها الخمسة.
اختفى زوجها، وهو عامل تنقيب عن الذهب في أقصى الشمال. وفقدت وظيفتها كعاملة نظافة. شارك الجيران ما استطاعوا مشاركته معها، لكن ذلك لم يكن كافياً. وسرعان ما أصبح لديها فمان آخران يجب أن تطعمهما: إيمان وأيمن، التوأم المولودان في سبتمبر.
وفي غضون أشهر، بدأ التوأم يفقدان الوزن ويعانيان من الإسهال، وهي أعراض شائعة لسوء التغذية. ضمت السيدة آمنة طفليها بين ذراعيها مذعورةً وانطلقت يائسةً عبر خط المواجهة مستقلة عربة “كارو” يجرها حمار وحافلة صغيرة للوصول إلى مستشفى البلك للأطفال، وهو المكان الأخير الذي يمكن إنقاذهما فيه.
لم تعلن الأمم المتحدة رسمياً حتى الآن عن المجاعة في السودان، ولكن معظم الخبراء يقرون أن المجاعة واقعة بالفعل في أجزاء من دارفور، وبصورة صادمة، في الخرطوم، واحدة من أكبر العواصم في أفريقيا.
تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 220 ألف طفل قد يموتون في الأشهر المقبلة وحدها. ويقول مسؤولو الإغاثة إن الجانبين يستخدمان الجوع كسلاح في الحرب. ويمنع الجيش تأشيرات الدخول وتصاريح السفر والتصاريح لعبور الخطوط الأمامية. بينما نهب مقاتلو قوة الدعم السريع شاحنات المساعدات والمستودعات ووضعوا العقبات الخاصة بهم.
قال توم بيرييلو، مبعوث الولايات المتحدة إلى السودان: “إن أحد أفظع الحالات على وجه الأرض ينحدر في مسار أسوأ بكثير”.
في المستشفى، كان توأما السيدة آمنة، إيمان وأيمن، يرقدان بأطراف رفيعة وجلد يشبه الورق. لقد تم إنقاذهم، حتى الآن.
لكن أعداداً متزايدة من الأطفال الذين يعانون من الجوع يصلون كل يوم، وينهار النظام الصحي برمته.
قال الدكتور سهيل البشرى، وهو مسؤول صحي حكومي، إن نصف مستشفيات الخرطوم الخمسين مغلقة، والعديد منها دمر أثناء القتال.
المستشفيات التي لا تزال تعمل منهكة إلى حد الانهيار. ويصل كل يوم مئات المرضى الجدد إلى مستشفى النو، بالقرب من خط المواجهة في أم درمان. كثير من أسرة المستشفى يتشاركها مريضان.
تحدث المرضى عن تنقلهم من حي إلى آخر مع تغير خط المواجهة، حيث يواجهون نقاط الارتكاز التي يحرسها مقاتلون يطلبون المال، ويسرقون الهواتف، ويطلقون النار في بعض الأحيان.
هدى عادل، 30 عاماً، أصيبت بالشلل من الخصر إلى الأسفل بعد أن هاجمتها قوات الدعم السريع. أطلق المقاتلون النار على الحافلة التي كانت تستقلها. (على حد قولها مات ثلاثة ركاب).
جلست أمونة الهادي فوق ابنها حسن، البالغ من العمر 14 عاماً، الذي أصيب برصاصة في بطنه على يد المستنفرين، وهم مجموعات شبابية جديدة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني. قالت إن كل أحشائه خرجت مع الرصاصة.
أما مجاهد عبد العزيز فكان يبتسم.
لمدة 10 أسابيع، كان يحاول إزالة رصاصة من ساقه. أطلق أحد مقاتلي قوات الدعم السريع النار عليه عند نقطة ارتكاز بعد أن أدت غارة بطائرة بدون طيار على محطة وقود قريبة إلى مقتل العديد من المقاتلين الآخرين. قال السيد مجاهد: “كان الرجل غاضباً”.
بالنسبة لمجاهد، طالب الهندسة البالغ من العمر 20 عاماً، كان ذلك مجرد بداية رحلة بحث شاقة عن المساعدة.
قام أحد المستشفيات بخياطة جرحه، لكنه لم يتمكن من استخراج الرصاصة. المستشفى الثاني لم يستطع ذلك أيضاً. عبر النيل ثلاث مرات، ودار حول العاصمة في حافلات مرت عبر الصحاري وحول جبل. وأخيراً، وبعد رحلة طولها 100 ميل، كان من المفترض أن تكون 10 أميال، وصل إلى مستشفى النو، حيث أخرج الأطباء الرصاصة أخيراً.
منذ وقت ليس ببعيد، كان السيد مجاهد يعتقد أنه جزء من مستقبل مشرق. شارك في الاحتجاجات الجماهيرية المفعمة بالأمل في عام 2019 والتي ساعدت في الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير، الحاكم المستبد للسودان لمدة ثلاثة عقود، وكانت تلك لحظة انتصار للبلاد. بعد عامين، عاد إلى الشوارع، متحدياً ضباط شرطة مكافحة الشغب ورامياً لهم بالحجارة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أعاق الآمال في الحكم المدني.
يدير بعض المتظاهرين الآن مطابخ للفقراء تقدم الكثير من المساعدات المحدودة المتوفرة في الخرطوم.
لكن مجاهد شعر بالهزيمة.
وقال: قبل الحرب، “كنا نحلم فقط، لقد ولت تلك الآمال”.