مقدمة:-
في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر؛ وباستضافة من المذيع الإعلامي، مصطفى عاشور، بكى سعادة السفير، الشيخ الحافظ لكتاب الله، نور الدائم عبد القادر، على حالة الخذلان العربي والإفريقي لبلادنا، إبان معركة الكرامة، من دول قدمنا لها ما قدمنا، فلا هي حفظت جميلنا، ولا هي ارعوت عن معاداتنا وعون أعدائنا، فجاءت هذه القصيدة السبعينية..
***
كَفْكِفْ دُمُوعَاً وَقَدْ ناحَتْ مِنْ الألمِ* يَا حَافظَاً مُصْحَفاً بِاللوْحِ وَالقَلَمِ
عَزَّتْ دُمُوعَاً فَمَا قَدْ صَحَّ تَدْلقُها* عَلَى الرُّفَاةِ مِنْ الأحْياءِ وَالرِّمَمِ
تَبْكِي عَلَى مَنْ.. تُرَى؟ لا يَسْتَحِقُّونَ كَذَا؟* فَهُمْ كَمِثْلِ عَجُوزٍ مَاتَ مِنْ هَرَمِ
أرَاذِلُ القوْمِ رَغْمَ العرْبُ يجْمَعنَا* وَقَدْ يَفوقُونَ سُوءَاً أسْوَأَ العَجمِ
نَسُوا جَمَائِلَ كَمْ كُنَّا نُقَدِّمُهَا* لَهمْ وَمُنذُ زَمانٍ غَارَ فِي القدَمِ
فَهذِهِ بُلَدٌ ضَمّتْ جَوانِحُهَا* بَيْتَاً حَرَاماً وَكَمْ قدْ عَزَّ مِنْ حَرَمِ
مُذْ عَهدِ (دِينَارَ) قَدْ كَانَتْ رَكَائِبُنَا* تَسْعَى إلِيْهِمْ بَأحْمَالٍ منْ النِّعَمِ
(آبَارْ عَلِي) هُوَ مَنْ قَدْ كَانَ حَافِرُهَا* تَسْقِي الحَجِيجَ وَحَتَّى ظَامِئَ الْبَهمِ
وَجَاءَ ثَمَّ نُمَيْرِي زَارِعَاً شَجَراً* لِيَسْتَظِلَّ حَجِيجُ الأشْهُرِ الْحرُمِ
مُذْ حَرْبِنَا فِي جَنُوبٍ كَانَ مَرْصدُنَا* لَهَا، وَوُثِّقَ بِالتَّصوِيرِ وَ(الْفِيلِيمِ)
مُجَاهِدُونَ لنَا جَادَتْ بِعَجْوَتِهَا * لهُمْ، وَتُجزِلُ فِي الإعْطَاءِ وَالكَرَمِ
كَأنَّهُمْ أَيْقَنُوهَا لا افْتِضَاحَ لهُم * وَدُونَ خَشْيَةِ يَوْمِ الْحَشْرِ وَالنَدَمِ
أْتَوْا أعَانُوا عَلَيْنَا نَحنُ إخْوَتِهِمْ* مَدُّوهُ جَيْشَ (قَرَنْقْ) بِالطِّلْقِ وَ(اللَّغَمِ)
وَلَستُ مُدَّعِيَاً؛ كَانَتْ ذَخَائِرُهُمْ* منْ ضِمْنِ مَظْفرِنَا مِنْهُمْ كَمغْتَنَمِ
عَلَى صَنَادِيقِهَا دِيبَاجَةٌ رُسِمَتْ* كَنخْلَةٍ وَكَذَا سَيْفَانِ فِي العلمِ
وَاليَوَمَ تَبْسطُهَا يدَاً إلَى (دَقَلُو)* تَبِيعُ تَشْرِي بِمَالٍ كَافَةَ الذِّممِ
وَمَرْكَزٌ لابنِ سَلْمَانٍ يُغِيثُ لَنَا* أَهْلَاً وَقَدْ نُكِبوا.. سَيْلَاً كَما الْعَرِمِ
وَفِي الْخَفَاءِ وَ(لِلدَّعْمِ السَّرِيعِ) لَكَمْ* يَسْعَى إلَيْهِمْ بِعَالِي الْبَذْلِ وَالْهِمَمِ
غَدَا بِذَاكَ عَلَى الْحَبْلَيْنِ مَلْعبُهُمْ* وَذَا النِّفَاقُ يُرَى.. يَمْشِي عَلَى قدَمِ
أَمّا دُوَيْلةُ شَرٍّ فِي دَعَارَتِها* فَاقَتْ فَرَنْسَا الَّتِي فِي ذَا مِنْ الْقمَمِ
يَا أُسْرَةً نَشَأتْ قَتلاً وَمَقْتَلَةً* أنَّى لَكمْ نَهْجُ شُورَى عِندَ مُحتَكمِ؟!(1)
أبٌ لَكُمْ قَاتِلٌ وَالعمُّ قَاتِلهُ* أَخٌ قَتِيلٌ وَكَمْ مَنْ ذَاقَ سفكَ دَمِ
أَمَّا وَ(شَيْطَانُ عُرْبٍ) رَأْسُ حَيتِكُمُ* فأعْجَزَ الشَّعْرَ عِنْدِي.. صَارَ فِي بَكَمِ
فَلَيْسَ منْ أَحَدٍ والسّوءُ مجْتمِعٌ* فِيهِ وَلا جَاءَ في الأمْثَالِ وَالْحِكَمِ
إلا سِوَاهُ وَحَقَّا (زَائدٌ) ضرَرَاً* بَلْ يستلِذُّ وبِالإضْرَارِ فِي نَهمِ
منْ أيْنَ أنْظِمُ ذَمّاً فِيهِ مُبْتَدَأً* وإنْ بَدَأْتُ فَلَا وَصلٌ لِمُختَتَمِ
هُوَ البلَاءُ وَمَا يُدْرَى مُمَاثِلُهُ* بَلْ فِي التَّمَاثُلِ مِثْلَ الْحَادِثِ الْعَممِ
فِي كُلِّ مُضَّطَرِبِ الأمصَارِ حَاضِرَةٌ * يَدَاهُ.. مَقتَلَةً أَوْ نَازِفٌ بِدَمِ
وَمَا أرَاهُ سِوَى الخِنْزِير ِ ملْمَحُهُ* دَيَاثَةُ لُصِقَتْ فِيهِ كَمَا الوَشم ِ
لَيْسَا يَغيرَانِ حَالَ العرْضِ مُنْتَهَكٌ* إن الدَّيَاثَةُ أَخْسى سَيِّءِ الذَّمَمِ
قُلْ: مَا جِنَايَةُ شَعْبِي فِي فَوَاجعِهِ* وَشَعْبُكُمْ هَمّهُ الرِّيجيمُ مِنْ تَخَمِ؟
بِلادُكُمْ قَدْ بَنَيْنَاها وَإذْ ظَهَرَتْ* لِلسّطْحِ بعْدَ نُشُوءٍ جَاءَ مِنْ عَدَمِ
كَانْتْ خِيَامَاً عَلَى صَحْرَائِهَا نُصِبَتْ* وَحَوْلَهَا رُبِطَتْ بَعضٌ منْ الغَنَمِ
وَلَيْسَ تَعرِفُ قَدْرَاً للْحضَارَةِ بَلْ* إلَى التَّنَجي فَمِنْهمْ لَيْسَ ذِي فَهمِ
لمّا عَرِفْنَا رِبَاطَ العنْقِ هَندَمَةً* وقَبْلهُ هَيبَةً بِالشَّالِ وَالعممِ
فَيوْمَهَا لَمْ يَكُنْ غَيرُ الْعُقالِ لَكُمْ* ضفَرْتُموهُ وَمِنْ صُوفٍ.. مِنْ الْغَنَمِ
شِدْنَا لَكُمْ كَلَّ شَيْءٍ جَالَ خَاطَرَكُمْ* حَتَّى الثَّقَافَةِ (شُمُّو).. ذَاكَ مِنْ عَلَمِ
مُهَنْدِسونَ لنَا شَادُوا شَوَارِعَكمْ* يَهُودُكُمْ زَيَّنُوهَا الْيَوْمَ بِالصَّنَمِ
نِسَاؤُنَا قَدْ عَرِفْنَ الْغازَ مَطْهَيَةً* وَيَوْمهَا طهْيُكُمْ بِالْعُودِ والْفَحَمِ
جِئْتُمْ رَفَعْتُمْ لِوَاءَ الْحرْبِ تَدْعَمُكُمْ* قُوَى الشِّرارِ وَعُرْبَانٌ وَمِنْ عَجَمِ
أَما وَجَارَتُنَا لَيبيَا فَمذْ عَرِفَتْ* مَجْنُونَها ذَاكَ جَلَّاساً.. وَفِي الْخِيَمِ(2)
كُنَّا إلَيهَا مُعِيناً ثمَّ كَانَ لَنَا * مَنْكُورُ فَضلٍ وَدَسُّ السُّمِّ فِي الدَّسَمِ
وَجَارَةُ السُّوءِ (شَادٌ).. أنتِ فاصْطَبرِي * آتِيكِ يَوْمٌ تَعُضِّي أَصْبَعَ النَّدَمِ
فَمنْكِ جَاءَ شَتاتُ الْعرْبِ قَدْ حَقَدُوا* (مَلَاقِطٌ) قُذِفُوا فِي أيِّ مَا رَحمِ(1)
مَعَ قَبَائِلَ منا فِي عُقُوقٍ لَها* فَاقَتْ فِعالاً أتتْ منْ سَابِقِ الأُممِ
فَقَتَّلُوا، دَمَّرُوا، نَهْبَاً كَمَا اغْتَصَبُوا* أَمَامَ أَزْوَاجِهِنَّ الْهَتْكُ لِلحُرَمِ
وَفِي النِّسَاءِ نِسَاءَ الْعُرْبِ قَدْ قَصَدُوا* فَعُقْدَةٌ غُرِسَتْ فِيهِمْ كَمَا (السَّهَمِ)
كَذَاكَ مَنْ قِيلَ (كُوزٌ) عَبْرَ مُرْشِدِهِمْ* يَغْدُو الْجَمِيعُ سَبَايَا، بِعْنَ كَالْخَدَمِ
بَلْ كَانَ نِيَّتُهُمْ إحْلَالُ وَافدِهِمْ* نَغْدُو عَبِيدَاً وَهُمْ فِي الْعزِّ وَالْحَشمِ
نُفَارِقُ الدَّارَ، سُكْنَانَا خِيامُ (خَلَاءْ)* حَرَّاً نَهارَاً وَكُلَّ اللَّيْلِ فِي الظُّلَمِ
لَكنْ بِحَمدِ إِلَهِ الْعَرْشِ رَافِعِهِ* قَدْ طَاشَ سهْمُهمُ، خَابُوا عَلَى عَشمِ
وَكَانَ نَاصِرَنَا الرَّحْمَنُ رَبُّ وَرَىً* وَمهْلَكٌ (عَادَ) والكُفَّارَ مُذْ إِرَمِ
فأَفْشَلَ الْكَيدَ رَغْمَ الْحَشدِ مُجْتَمِعٌ* أَتَى بِنصْرَتِنا بِملْحِدِ الأُممِ
وَقَبلَها صَادِقُ الأفْوَاهِ دَاعِيَةً* آلافُ ألْسنَةٍ فِي الْحِلِّ وَالْحرَمِ
تَترَى الألُوفُ لَهُمْ، لَحْقَاً بِقَائِدِهِمْ* حِمِيدْتي ذَاكَ وَسَبَّاقَاً إلَى (الْجَغِمِ)
عَبيدُ مَالٍ فَنَوا، ما تَمَّ حُلْمُهُمُ* كَذَا سَيَصْحُو (أخُو الشَّيْطَانِ) مِنْ وَهَمِ
فَصَبْرُكُمْ كُلَّكُم؛ زُنجَاً أفارِقَةً* وَوَيْلَكُم إنْ أَتَاكُمْ ثَأرُ مُنْتَقِمِ
أمّا المَلايِينُ منْ فِي جِنْسِهِمْ عَرَبٌ* فَلا فِعالَ لَكُمْ، وَلَيْسَ مِنْ كَلِمِ
شُكْرَاً لكُمْ، بَيْدَ أَنَّا حَافِظُونَ لَكمْ * هَزَيلَ وَقفَتِكُمْ كوَقْفةِ الرَّخَمِ(3)
منْ ذَا الْبَلاءِ بِحَمْدٍ كانَ مَخرَجُنَا* كَسْبَاً عَظيمَاً إذا مَا عُدَّ بِالرَّقَمِ
عَادَ الْجِهادُ؛ أَمَانِي (قَحْتِ) مَوْتَتُهُ* شَهِيدُهُمْ كَفطيسٍ تَحْتَ مُنْهَدَمِ
كَمْ يُثْلَجُ الصّدْرَ شَيخٌ بِالْكِلَاشِ زَهَا* مُستَنْفرٌ يَافِعٌ مَا بَالِغُ الْحُلُمِ
شعْبٌ تَمازَجَ فِي جَيْشٍ فَلَيسَ يُرَى* حَاشَا وَعَنْهُ وَفِي يَوْمٍ بِمُنْفَصِمِ
لِ(تُرْكِيَا) شَاكِرِينَ كذَا وَقُلْ (قَطَراً)* حِفْظُ الْجَمِيلِ نَبِيلٌ فِي دُنَا الْقِيَمِ
(عَاشُورُ) شُكْرَاً وَقَدْ آزَرْتَ فَارِسَنَا* فَلَيْسَ يَخْلُو جَمِيعُ الْعُرْبِ مِنْ عَشَمِ
شُكْرَاً إلَيكَ سَفِيرِ العِزِّ إنَّ بِكمْ* يزْهُو الْقَرِيضُ لدَى بَدءٍ وَمُخْتَتَمِ
كَتِيبَةً كُنْتَ فِي حَرْبِ الْكَرَامَةِ كَمْ* أَرْعَدْتَ عَرْشَ زَعيمٍ خَائِرٍ قَزَمِ
يَوْمَاً سَيأتِي وَدَمْعُ البشْرِ يُشْرِقُكُمْ* وَشَعْبُنَا بَيْنَ فَرْحَانٍ وَمُبْتَسِمِ
يوْمَ الزَّوَالِ لِدَقْلُو مِنْ مَضَارِبِنَا* وَيَضْرِبُ الدُّفُّ.. أسْجَاعَاً مِنْ النَّغَمِ
حَمْدَاً ختَامَاً إلَهِي مَا الْعُيُونُ هَمتْ* دَمْعَاً وَمُحمَرَّةً كوَاقِدِ الْحِممِ
—
(1) بعض القبائل في غرب السودان تعارفت على ظاهرة (ود الضيفان) وهم الذين لا أصل لهم ولا نسب معروف، وهذا ربما يمثل بعضاً من ظاهرة الحقد الاجتماعي التي صاحبت سلوك قوات الدعم السريع إبان اعتداءاتها؛ وذلك في كافة مدن البلاد.
(2) توالت الاغتيالات في أسرة وأسلاف محمد بن زايد، فمؤسس الأسرة الحاكمة؛ ذياب بن عيسى بن نهيان عام 1761، اغتيل. خلفه محمد بن شخبوط؛ مات في غموض، ثم طحنون بن ذياب، اغتيل، حمدان بن زايد اغتيل،، نجل طحنون بن زايد اغتيل، شقيقه حمدان بن زايد اغتيل على يد أخيه سلطان بن زايد، لينتهي مقتولاً أيضاً على يد أخيه صقر بن زايد ثم اغتيل كذلك على يد ابن أخيه شخبوط بن سلطان، الأخ غير الشقيق لمحمد “أحمد بن زايد”اغتيل.
(3) الرئيس الليبي السابق القذافي وفي رحلاته الخارجية لم يكن ينزل في الفنادق بل يصطحب معه خيمة يقيم فيها، بادعاء التواضع وهو الذي سمى نفسه ملك ملوك إفريقيا.
(4) كلمة رخمة مشتركة بين العاميَّة والعربيَّة الصحيحة، فالرّخَمَة من الرجال كسول ضعيف لا خير فيه يشبه الطائر المسمّى بالرَخَم أو رخمَة،وذلك لضعفه وقِلَّة حيلته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة السوداني
ديسمبر ٢٠٢٤م