نقلت الشاشات صباح اليوم رحلة عودة اللبنانيين إلى ديارهم بعد توقف القتال ..كانت مشاهد تدافعهم بالغة التأثير، اختلطت دموعهم مع حبات المطر .. مناظر الشوارع والبنايات المهدمة لم تقتل فرحتهم بهذه الأوبة..أسرةٌ وقفت عند أطلال دارها وفوق الحطام رقصت مبتهجة رغم بشاعة الدمار.. سألت زميلتي اللبنانية التي تجلس بجواري في العمل.. بماذا تفسرين هذا المشهد؟ التفتت نحوي والفرح يقفز من عينيها وردت بلهجتها اللبنانية..(شو يا خَيي..هايدي فرحة فوتتهم على الضيعة) .
اه.. (هذه فرحة عودتهم لديارهم) ..جملة قصيرة لكنها مشحونة بالحنين وعميق المعاني، وكأني بروحها قد طارت في تلك اللحظة لتكون وسط أهلها في النبطية لمعايشة تلك الفرحة ولمشاهدة فتيان الحي وقد تحلقوا وهم يرقصون (الدبكة) ..
العودة إلى الديار هي عودة الروح للجسد، وهي عودة الحياة لنفوس كاد يعصف بها وجع البعاد عن الديار، لأن الديار ليست جدرانا وحوائط وإنما هي أمان لا يشوبه خوف، وحب لا يعتريه قلق،وأرواح تلتقي وأياد تشد بعضها بعضا ..
وصدق الشاعر أبو تمام عندما صاغ ذلك في بيته الشهير حين أنشد :
كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل …
وأنا في تلك الحالة التمستُ عذرا للشاعرة (ميسون بنت بحدل) التي غادرت مضارب عشيرتها في الصحراء في رحلة زواجها المعروفة..ورغم القَصر المنيف الذي كانت تعيش فيه بدمشق لكنّ ذلك لم يرقْ لها لأن الشوق كان يمزق ضلوعها لكنف دارها الفقيرة حيث قالت:
لبيت تخفق الأرواح فيه
أحب إلي من قصر منيف ..
وأكل كُسيرةٍ من كسر بيتي
أحب إلي من أكل الرغيف…
وأصوات الرياح بكل فج
أحب إلي من نقر الدفوف..
أما نحن فننتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر .. لحظة العودة للديار ..لأن تفاصيل بيوتنا وأنفاس أهلنا وضجيج أحيائنا تظل نبضا يهتف في دواخلنا ووهجا يأبى الخفوت.. ما يجعلنا دوما ندندن مع العميد أحمد المصطفى :
نحن في السودان
نهوى أوطانا
وإن رحلنا بعيد
نطرى خلانا
نطرى جلساتنا
في ضفاف النيل
والسواقي تدور في سكون الليل
القماري تعيد لحن كالتنزيل
. والوتر يشدو والطبيعه تشيل