الكتاب

السفير الصادق المقلي يكتب: هل يا تري كان الفيتو الروسي مفاجأة للجميع بمن فيهم الوفد السوداني ؟

 

لعل أكثر المتفائلين بمن فيهم المندوب السوداني،، ،حسب قراءتي للفيتو الروسي.. ان تستعمل روسيا حق النقض الفيتو… علي مشروع قرار اصلا لا يستحق ان تلجأ اي دولة دائمة العضوية اعمال حق النقض الفيتو لإحهاضه.. فغالبا ما تلجأ الدول الخمسة الي الفيتو في مسألة ملحة تخص في المقام الأول امنها القومي و مصالحها الاقتصادية و الاستراتيجية منذ ميلاد ميثاق الامم المتحدة عام 1945…
و كما تساءلت أماني الطويل.. (( تعديل مشروع القرار مفهوم… لكن فيتو!!))
فنظرة سريعة الي الي استخدم حق النقض الفيتو و بصفة خاصة من قبل روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية… نجده حصرا علي قضايا او نزاعات دولية تمس امنها القومي و مصالحها أو مصالح حلفائها الاستراتيجية في بؤر النزاع في العالم..
و من هذه الزاويه فقد جاء الفيتو الروسي مفاجئا للجميع بمن فيهم الوفد السوداني.. فالمندوب البريطاني في مداخلته.. مبلغ علمي.. أعرب عن دهشته للموقف الروسي الغريب و المفاجئ بالنسبة له، في وقت قبل فيه الوفد السوداني الصيغة الزرقاء النهائية و أن مبلغ طموحه و جهوده مع الوفد الروسي و الصيني و ربما الجزائري.. أن ينتهي هذا التمرين بامتناع المندوب الروسي..!!،
و قد أتت الرياح بما تشتهي سفن المندوب السوداني بأعلي سقوفات طموحه.. أي الفيتو الروسي.. و من ثم الترحيب الحكومي به…
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه… لماذا يا تري تغير و تبدل الموقف الروسي في الأمتار الاخيرة حيث كان القرار في طريقه الي التصويت.. و لعل عنصر المفاجأة في الموقف الروسي … طلب المندوب الفرنسي تعليق الجلسة لدقائق للمزيد من المشاورات حول مشروع القرار.. على ما يبدو أنه قد نما الي علمه قرار الوفد الروسي بإجهاض مشروع القرار البريطاني.. و قد كانت الجلسه مخصصة للتصويت.. و لم يكن يدور بخلد احد حتي الوفد السوداني ان روسيا ستعمل حق النقض الفيتو… و ييدوا ان المشاورات التي طلبها المندوب الفرنسي قد باءت بالفشل.. و من ثم كان الموقف القنبلة للوفد الروسي.!!
في إعتقادي أن الموقف الروسي… لم يكن معنيا بالأحرى بالوضع في السودان.. بقدر ماهو لصيق بصراع النفوذ بين الأفيال..
فقبل ساعات قليله من بداية التصويت علي مشروع القرار.. فجر الرئيس بايدن قنبلة بتصريحه و هو في طريقه لقاعة اجتماعات قمة العشرين في البرازيل. .. حيث سمح لأوكرانيا باستعمال صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي… الأمر الذي رحب به الرئيس الأوكراني،، بينما اثار غضب و حفيظة الرئيس بوتن الذي هاجم الرئيس بايدن و اطلق عبارات التهديد و الوعيد لأمريكا و لحلفائها في حلف الناتو.. مما يشي بإن الحرب بين موسكو و كييف سوف يشهد شتاءا ساخنا..
و تزامنا مع إحياء أوكرانيا ذكرى مرور 1000 يوم على بدء الهجوم الروسي ضد أراضيها، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء و تزامنا مع التصويت في مجلس الامن مرسوما يسمح لموسكو باستخدام أسلحة نووية ضد دولة لا تملك هذا النوع من السلاح إذا كانت مدعومة من قوى نووية.

قال الكرملين إن قرار الولايات المتحدة السماح لأوكرانيا بشن ضربات محدودة داخل روسيا باستخدام صواريخ أتكامس يمثل “منعطفًا جديدًا في التصعيد” في الصراع المستمر منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وقال إن موسكو سترد “بشكل مناسب”.

وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي، إن إدارة بايدن المنتهية ولايتها تحاول “صب الزيت على النار وإثارة تصعيد التوترات”، وفقًا لوكالة إنترفاكس.

لم يقل بيسكوف ما ستفعله روسيا ردًا على ذلك، لكنه أشار إلى تعليقات سابقة لبوتين اعتبر فيها مثل هذه الخطوة بمثابة حرب مباشرة بين موسكو والغرب.
و لا شك ان الناتو سوف لن يمر مرور الكرام علي قرار الرئيس بايدن، ،الذي علي ما يبدو.. عمد الي هذه الخطوة استباقا لوصول الرئيس المرشح ترامب الي البيت الابيض.. كما رحبت فرنسا و مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي بالقرار الأمريكي..
نعم لقد ارغي و أزبد وزير الخارجيه البريطاني.. خاطب الرئيس بوتن مباشرة بدلا عن المندوب الروسي في مجلس الامن.. و لعله قد شعر بكثير من الحرج و هو يجلس في كرسي مندوب بلاده.. و وصف موقف بوتن بالعار. انا شخصيا لا اعتقد بأن العلاقات الدولية لا تحسب بالمعيار الخلقي… فمعيارها هي المصلحة قبل كل شيء.. حتي الوزير البريطاني الذي جعله الموقف الروسي يخرج لحد ما عن طوره و توجيه سهامه في اتجاه بوتن..يرجح ان الموقف الروسي أملاه صراع النفوذ بين الأفيال عطفا علي التصريح الخطير للرئيس بايدن المشار اليه اعلاه. و لا اعتقد انه لصيق بالموقف الروسي ازاء الراهن السياسي..
و لعل هذه السردية يدعمها الترقيع و الابدال و الاحلال الذي احدثه الوفد الروسي علي مشروع القرار البريطاني… و هو ترقيع جعل القرار في نسخته الزرقاء.. يأتي فطيرا.. لصالح الحكومة السودانية، ، بينما ركز كثيرا علي انتهاكات الدعم السريع و سماها في فقرات الديباجة و في فقراته العاملة…
فقد افرد فقرات عدد فيها كل موبقات و فظائع الدعم السريع خاصة في دارفور و الجزيره.. بل طالبه بفك الحصار عن الفاشر بموجب القرار 2736. كما أمن علي ضرورة الإلتزام بالقرار 1591 الخاص بحظر السلاح في دارفور.. و كلا القرارين لا يصبان في صالح الدعم السريع.. بل ان مشروع القرار في نسخته الزرقاء طلب من الدعم السريع وقف اعتداءاته من الجزيرة و دافور و سنار…
و لعل من شأن اسقاط القرار يخدش في زخم الادانات الدولية و الحقوقية و الإقليمية لانتهاكات الدعم السريع في الجزيره و غرب دارفور…
و في اعتقادي ان الدعم السريع استفاد أكثر من الحكومه من الفيتو الروسي..
و لا ادري ما هو سبب ترحيب المندوب الدائم للسودان بهذا الفيتو.. سيما و ان مشروع القرار بعد التعديلات التي حدثت فيه بالتنسيق مع الوفد الروسي. قد افرغ تماما من لغته القوية في نسختها الصفرية. و جاء القرار فطيرا و ليس له ما بعده.
اولا هذه التعديلات صبت في صالح الحكومة السودانية.. فقد تبدلت لغة (( السلطات السودانية)) بلغة (( مجلس السيادة)).. و ان التعديل اصاب اهم فقرات القرار العامل….الفقرة الخامسة… كانت صيغة المسودة الأولي تتحدث عن (( اجراء الامين العام مشاورات مع كل اطرف الحرب حول مقترح نشر آلية للامتثال لرصد و مراقبة تنفيذ مخرجات منبر جده.. )) بينما تم تعديلها في القرار في نسخته الاخيره،، حيث حصر (( المشاورات حول مقترح الآلية مع مجلس السيادة)) و بالتالي جعل نشر آلية الامتثال Compliance Mecanism رهينة بموافقة الحكومة السودانية…
قد جاءت تبريرات الوفد الروسي لموقفه فطيرا ايضا.. و بعيدا عن نص و روح القرار الذي عمل هو علي تخفيف لغته و جاء مرضيا للوفد السوداني.. و فيه تناقض تام مع مواقف الوفد الروسي في كافة قرارات لمجلس الأمن في حق السودان بما فيها قرارات صدرت عن المجلس تحت الفصل السابع… قرار تمديد ولاية الخبراء عن حظر السلام في دارفور 1591 لعام مرحبا 2005 ،و ٱهم من ذلك القرار 1593 الذي احال بموجبه مجلس الأمن الحالة في دارفور الي المحكمه الجنائية الدولية.. وفقا للمادة 13 ب في ميثاق روما… علم بان روسيا نفسها ليست طرفا في هذا الميثاق… و هذا ما يهزم تبرير تصويت الوفد الروسي بٱنه يعترض الحديث عن المساءلة الجنائية الدولية في القرار.. اولا هذه المساءلة الجنائية الدولية لم ترد صراحة في القرار و هي مجرد استنتاج منه.. و هو ما يناقض موقفه عن قراري مجلس الامن آنفتي الذكر.
و لعل هذه التبريرات الفطيرة التي ساقها المندوب الروسي لتصويته بعد التصويت… تؤمن علي سردية ان هذا القرار الغريب و المفاجئ و غير المبرر جاء في اطار صراع الأفيال في مختلف بؤر النزاع في العالم…و نخص هنا صراع النفوذ بين روسيا و دول حلف الناتو حول أوكرانيا…

وألجمت الدهشة الدول لأن المشروع في المقام الإول يتعلق بحياة المدنيين و يقوم على وقف إنتهاكات الحرب ضد الأبرياء الذين تُزهق ارواحهم قتلا وجوعا وحصارا سيما في ولاية الجزيرة التي مارست فيها قوات الدعم السريع أبشع انواع الجرائم الإنسانية..

علي كل لو كنت في مكان المندوب السوداني لعملت علي اقناع الوفد الروسي بعدم أعمال حق النقض الفيتو… لان القرار بصيغته النهائية ليس له أي أثر سلبي علي الحكومة السودانية. فهو لم يصدر تحت الفصل السابع.. كما رهن مسألة التدخل الأجنبي بموافقة الحكومة السودانية.. كما تضمن اعترافا ضمنيا بمجلس السيادة.. فضلا عن هذا القرار الذي حظي باجماع من المجتمع الدولي ما خلا روسيا.خاصة الصين و المجموعة الأفريقية و الاسيويه و الغربية و اللاتينية… من شانه ان يزيد من مواجهة الدولة خاصه مع المعسكر الغربي المسنود من اغلبية القارة الأفريقية..و ربما يجعل الاخيره البحث عن خيار اخر بمنأي عن مجلس الأمن.. كما حدث و يحدث حاليا في عدد من بؤر الصراع في العالم…

في اعتقادي ان من يؤيد اجهاض هذا القرار.. فهو بالتالي يؤيد ان يزج السودان في لعبة النفوذ بين الدول العظمى.. باستغلال روسيا للنزاع في السودان لتصفية حساباتها مع دول الناتو في اطار صراع النفوذ و الخلافات بين روسيا و حلف الناتو في أوكرانيا في اعقاب العدوان الروسي.. هذا نزاع داخلي يجب ان لا يزج بالسودان في لعبة الأمم.
هذ الفيتو.. مرة أخرى.. لم يكن لسواد عيون السودان او الحكومة السودانية… بل هذا القرار الذي اتخدته روسيا في الأمتار الاخيرة قبل ساعات من انعقاد جلسة التصويت. كان مفاجئا حتي للوفد السوداني ناهيك عن الدول الأعضاء الخمسة عشر الاخري.. و ما يدلل علي ذلك طلب السفير الفرنسي تعليق الجلسه بعد ان نما الي علمهم ان روسيا بدلت موقفها من الامتناع الذي توافق عليه كل اعضاء مجلس الامن و بموافقة السفير السوداني.. و لكن سبق السيف العزل رفض المندوب الروسي لان موسكو ارسلت له توجيهات باستعمال حق النقض الفيتو. و ذلك علي اثر قرار بايدن بالسماح لأوكرانيا باستعمال صواريخ طويلة المدى لهجوم محدود داخل الأراضي الروسية.
هذا القرار الفطير الذي خففت لغته روسيا لصالح الحكومة السودانية.. حيث اصبح دون مردود.. خاصة و ان الفقرة العاملة 5 التي تتحدث عن تدخل آلية الامتثال رهنت إنفاذها بموافقة مجلس السيادة… الذي كان في الصيغة الصفرية… السلطات السودانية….
و لا ادري علي ماذا استند البرهان علي قوله ان القرار لم يشر الي سيادة السودان مما بشي الي ان مستشاريه لم يطلعوه علي نص القرار. الفقرة الأولى العاملة كما ان الفقرة 5 تؤمنان علي سيادة السودان و ان لا تدخل أجنبي الا بموافقة الحكومة السودانية…
في اعتقادي ان من يؤيد اجهاض هذا القرار هم من يفكرون بعاطفتهم و يعطلون عقولهم.. و لو كنت المندوب لاقنعت الروسي ان لا يعمل الفيتو و يبقي علي موقف الامتناع الذي تم تبديله في الأمتار الاخيرة و قبل سويعات من التصويت…وفق مصادر دبلوماسية مطلعة.
اولا هذا القرار بعد ان ان تم ادخال العديد من التعديلات بالتنسيق مع روسيا نفسها و الجزائر و الصين علي وجه الخصوص. جاء فطيرا و لا مردود ملموسا له و لا ضرر و لا ضرار بالنسبه للحكومة.. خاصة اذا اخذنا في الاعتبار تعديل الفقرة العاملة 5، ،بحيث رهنت مسالة نشر آلية الامتثال الخلافية بموافقة مجلس السيادة.. و الذي عدل من لغة (السلطات السودانية) في المسودة الاصليه..
ثانيا في اعتقادي ان المستفيد من هذا الفيتو هو الدعم السريع. سيما و ان فقرات في الديباجة و الفقرات العاملة خصته بالاسم و عددت كل فظائعه و موبقاته بل طلبت منه وقف عدوانه علي الجزيرة و دارفور. كما اشار القرار الي قرار مجلس الأمن 2736 عن فك الدعم السريع للحصار علي الفاشر فضلا عن الأشاره الي القرارين 1556 و 1951 الخاصة بحظر الأسلحة في دارفور.
و لذلك القرار خدش في زخم الادانات الدولية و الحقوقية و الجنائية التي ظلت تتري طيلة الفتره الماضيه… و لذلك اعتقد ان الفيتو منح كسبا دبلوماسيا مجانا للدعم السريع… الذي يحق له هو الاحتفاء و ليس خصمه..
ثالثا الفيتو الروسي ربما يدفع المعسكر الغربي و تحالف الالب الي خيارات أخرى كما نوه وزير الخارجية البريطاني..
رابعا و هو الأهم. البعد الإنساني… ماذا سيقول ملايين النازحين خاصة هذه الأيام من الجزيرة.. في وقت عرقل فيه الفيتو الروسي جهود المجتمع الدولي و الإقليمي لوقف هذه الكارثه الإنسانية و وقف نزيف الدم و عدم الافلات من العقاب ..؟ ؟
و هل المؤيدون لإجهاض القرار هم مع استمرار نزيف الدم و التشريد القسري و استدامة هذه الكارثه الإنسانية غير المسبوقة في تاريخ السودان الحديث و انهيار الدولة و تمزيق نسيجها الاجتماعي….في سبيل التكسب السياسي من اشلاء المواطنيين و ركام الوطن ؟
ما لكم كيف تحكمون ؟
على كل يبقي الأمل معقودا على مخرجات لقاء البرهان مع المبعوث الأمريكي… و تصريحات البرهان امام مؤتمر اقتصادي في بورتسودان.. حيث هناك نقلة نوعية في الخطاب السياسي… اذا اخذنا في الاعتبار حديثه عن المؤتمر الوطني و ان نشاط الاخير السياسي يزيد من الاستقطاب و التشظي السياسي في غير وقته كما قال البرهان. ثانيا رسالته شبه التصالحية او التوافقية في بريد القوي السياسية و مد يده لها رغم انه و غيره صرحوا بان لا مكان لهم بعد الحرب في السودان بل اصدروا دعاوي جنائية في حقه.. فضلا عن حديثه عن حوار سوداني سوداني و لاول مره متذ بداية الحرب يتحدث عن تشكيل حكومة من مستقلين لادارة الفتره الانتقالية تنتهي بانتخابات حرة و نزيهة..
و لعل اهم ما ورد في خطابه تبديل عن موقفه و غيره عن الدعم السريع.. اذا ذكر ان لا مانع لهم ان نفذ الدعم السريع مخرجات جده و تموضع قواته في مواقع متفق حوله.. بدلا من الخطاب السابق له و لغيره ان لا تفاوض و لا وقف لاظلاق النار و ان تسمتر هذه الحرب لسنوات.. ((( يا كملناهم يا كملونا.))). و لعمري هذا خطاب عقلاني يستشعر معاناة الوطن و المواطن…
يبقي فقط ان يعقب القول بالفعل.. و لك الله يا وطن

و يظل الأمل ايضا معقودا علي زيارة المبعوث الأمريكي الحالية للسودان و جولته في عدد من البلدان الأفريقية و الأوروبية،،، مشفوعة بجهود رمطان العمامرة في سبيل استباب السلام و عود الحياة الي طبيعتها في البلاد و استعادة الدولة..
في مقال لاحق.. و تفاديا للإطالة.. الاجابة علي السؤال.. ثم ماذا بعد.. سيما و ان الوزير البريطاني صرح بانهم سوف لن يجعلوا منا الازمة في السودان حربا منسية.. مما يشي الي انهم لم يلقوا بعد بالمنديل في اعقاب الفيتو الروسي..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى