الكتاب

د . عبد الله إدريس يكتب :

خاص - صوت السودان

لسنوات آخرهن العام 2022م، وفي مثل هذه الأيام كنت أسابق موسم الأمطار من أجل إكمال طوافي على معسكرات اللاجئين الإثيوبيين والاريتريين بكل من ولايات الجزيرة، والقضارف، وكسلا.

فقد كنت أقوم بكتابة أخبار يومية من واقع مشاهداتي ولقاءاتي مع القائمين على أمر تلك المعسكرات من منظمات دولية ومحلية، فضلاً عن المسئولين الحكوميين، ومن ثم نشر تلك الأخبار بمواقع وكالة السودان للأنباء (سونا) على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

لكن كان هدفي بصورة أساسية هو كتابة أكبر قدر من القصص الخبرية المؤثرة والتقارير المصورة عن معاناة اللاجئين ليتم نشرها في العشرين من شهر يونيو الجاري لتتوافق مع الذكرى السنوية للاحتفال باليوم العالمي للاجئين.

وقد اكسبتني تلك الرحلة خبرة ومعرفة كبيرتين بما يواجه النازحين من ظلم الإنسان لأخيه الانسان، وكيف أن اللاجئين يمرون بأهوال ومخاطر وهم فارون لينجو بحياتهم من بلادهم، وكيف يتم استغلال هؤلاء المهاجرين بصورة غير شرعية بطريقة بشعة جداً من قِبل عصابات الإتجار بالبشر الدولية.

وأصدقكم القول، فقد كانت تلك الفئات الثلاث من نازحين ولاجئين ومهاجرين بصورة غير شرعية تمثل مادة دسمة لكتابة تقارير وقصص خبرية مؤثرة تتلقفها عدد من الصحف الورقية والالكترونية المحلية والأجنبية وتعيد نشرها، لما لها من أصداء.

وإن لم تخنِّ الذاكرة، فإن أحد تلك التقارير جعل المندوب السامي للاجئين ومن مقر عملة بجنيف، يهاتف معتمد مفوضية اللاجئين (وإنْ مد الله في الأجل وصلح الحال سوف نعود لتداعيات تلك المحادثة).

لكن الذي كان يجعلني في حيرة من أمري في ذلك الوقت هو أن اغلب من يعيد نشر تلك التقارير لا يذكر أن مصدرها هو وكالة السودان للأنباء (سونا).

واليوم سبحان الله مغير الأحوال من حال إلى حال يصادف الـ20 من يونيو الجاري، أجد نفسي وأسرتي نازحين ضمن 9 ملايين نازح، وإخوتي لاجئون ضمن أكثر من مليون لاجئ، أما أبناؤهم وبناتهم فهم مهاجرون بصورة غير شرعية، وعدد غير محصور من الحرائر اللاتي اغتصبن، بجانب آلاف قتلوا على يد هؤلاء التتار وآخرهم رفيق دربي وأخي الذي لم تلده أمي الصحفي مكاوي محمد أحمد.

ورغم هذا الكم الهائل من القصص الحية التي عايشتها بأم عيني، والأرقام التي تحصيها التقارير الموثقة ، وإفادات المنظمات الدولية والمحلية التي تعضٍّد تلك الحقائق، أجدني عاجزاً تماماً عن نقل تلك الصور أو التعبير عنها.

فبالله عليكم كيف استطيع أن أنقل لكم شعوري وأنا أشاهد كلباً يعدو بجواري حاملاً بأسنانه يد امرأة ما زالت تتزين بعدد من أساور من ذهب، أو شعور أُمٍّ وهي تشاهد بناتها يغتصبن أمامها صباح مساء، أو شعور أبٍ يُهشَّمُ رأسُ ابنه أمامه بدعوى أن الطلقة فيه خسارة؟!!

وكل ذلك على يد عربان الشتات تجاه المواطن المسكين المغلوب على أمره، ليس بسببٍ جناه غير أنه يحمل في جوازه صفة (سوداني).

والذي يزيد الحسرة في الفؤاد والألم في القلب أن من يبرر تلك الأعمال البربرية فئةٌ قليلة لكنها أعلى صوتاً من أبناء البلاد الذين باعوا أهلهم وأرضهم، وقبل ذلك باعوا أنفسهم بثمن بخس من أجل عَرَض الدنيا.

فإذا كان حالي اليوم ينطبق عليه قول الشاعر الذي قال :(واقف براك

والهم عصف

ريحاً كسح زهرة صباك

ليلاً فتح .. شرفة وجع

قمراً رحل فارق سماك)

لكن يقيننا بالله لا تحده حدود، ونتمثَّل قول الله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).

وإن نصر الله قريبٌ وقريبٌ جداً، وأنه سوف يأتي اليوم الذي نحتفل فيه قريباً بعودة كل النازحين واللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى أوطانهم تحت مسمى (الاحتفال باليوم العالمي للعائدين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى