الكتاب

نبض للوطن .. أحمد يوسف التاي: مجازر قرى الجزيرة..الصمت القاتل والصوت المبحوح

خاص - صوت السودان

(1)

حسبما علمتُ من شهود عيان ناجين من مجزرة “الحُرقة” بشرق ولاية الجزيرة أن ماحدث كان مقْتلةٌ عظيمةْ راح ضحيتها أكثر من مائة مواطن سوداني وليس 14 شخصاً كما جاء في الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي.. وأكد النازحون الناجون من جحيم المجزرة أن الضحايا اغلبهم من العجزة والمسنين والنساء والأطفال وذلك لأن عدداً كبيراً من سكان القرية غادروها قبل ساعات من الهجوم عليها لمّا علموا يقيناً أن قوات حميدتي عازمة على الهجوم عليهم على خلفية مقتل بعض أفرادها الذين تسللوا إلى القرية على صهوات المواتر بغرض النهب واستفزاز الأهالي كما يحدث بصورة راتبة لكل قرى ولاية الجزيرة التي استسلمت للنهب والسلب والإذلال والقتل الجماعي والانتهاكات المتكررة من قبل قوات الدعم السريع..

(2)

ما تعرضت له قرى ولاية الجزيرة شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً من قمع ووحشية وقتل وانتهاكات لهو أمرٌ مختلفٌ عمّا تعرضت له بقية الولايات التي اجتاحتها قوات الدعم السريع سواءً أكان ذلك في الخرطوم أو دارفور،أو سنار أو شمال كردفان..

فإذا كان الطمعُ في النهب وهتك الشرف كان يقود قوات حميدتي في الخرطوم فإن في قرى الجزيرة كان يقودها الغل والحقد الأعمى إلى جانب الإصرار على هتك الشرف..

وإذا كان في دارفور كانت تقودها الرغبة في الانتقام والخصومات التأريخية، فإن في قرى الجزيرة كانت تقودها الكراهية العمياء والبغض العقيم، إذ كانت تقتل وتنهب حقدا بلا رحمة، وتنتهك كل الحرمات بغضاً وكراهيةً بلا شفقة، وعلى نحو لم يعهد له مثيل حسبما نسمع من افواه الناجين من براثن الموت..ألم أقل أن ماحدث في قرى الجزيرة ومدني لشيء مختلفٌ جداً ولا أحد يجد له تفسيراً إلا الغل والحقد والبغض والكراهية..

(3)

إذا أتينا بفرق تحقيق محايدة وطافت بقرى الجزيرة قرية قرية بدءاً بمدينة مدني التي تم تسليمها لعدوها الحاقد (تسليم مفتاح) دون أن يخسر فيها نفساً واحدة أو طلقة واحدة، أقول لو أتينا بفُرق تحقيق ووقفت على ما حدث في ولاية الجزيرة لرأتْ هولاً عظيماً، ولسمعت ما يندي له الجبين وتُصمُ له الآذان وتَعْقدُ له الألسن الفصحى ، ذلك بأن ما حدث لأهل الجزيرة المسالمين الكرماء ليس له تفسير إلا الحقد الدفين والغل الأعمى والبُغض السقيم، وليس هناك أمرٌ واحدٌ يبرر معشار ما لاقوا من عنت وتقتيل وتشريد وإفقار وإذلال وانتهاكات لأعراضهم وكرامتهم وشرفهم..

(4)

ومع كل هذا الهول العظيم الذي حدث لأهل الجزيرة المسالمين الذين لم يعرفوا يوماً طريقاً للعنف ولا النهب ولا القتل، ولا قطع الطرقات (إلا في شهر رمضان المبارك)،هل قلتُ شهر رمضان؟؟؟؟!!

وما أدراك ما شهر رمضان وما أدراك ما الجزيرة في هذا الشهر العظيم..

الجزيرة التي كانت تقطع الطرقات لإشباع بطون الصائمين العابرين سهولها ووديانها وادغالها،تقطع طريقهم على أنغام القسم المغلظ(عليّ الطلاق، حرّم) لإطعامهم، لا لنهبهم، ولوجه الله ، لا لمصلحة دنيوية..فهل كرماء بهذه السجايا يستحقون هذا التجاهل والتخاذل..

فمع كل ماحدث لهم لم تأخذ مجازرهم حيزاً من شواغل الناس بالخارج والداخل حتى إذا حدثت آخر المجازر في (الحُرقة) قللوا من عدد ضحاياها ومن شأنها، ولو أن ماحدث في الحرقة وقرى الجزيرة الأخرى حدث في اي مكان آخر في العالم لحدثنا الإعلام الخارجي وردد وراءه (ببغاؤنا) الداخلي – عفوا إعلامنا الداخلي – أن ما حدث كان تطهيراًعرقياً ومجزرة بشعة وقتلاً جماعياً..

لكن لماذا يحدث كل هذا لأناس عاشوا على مر السنين مسالمين ذوي نجدة ونخوة وكرم وسماحة..

عاشوا على مر السنين مساهمين بقوة وفاعلية في الإنتاج ونهضة البلاد وهل نقموا منهم إلا أنهم كرماء (حُنان) أهل دمعة قريبة ومحنة وطيبة، ولايرضون الضيم لغيرهم فكيف بالله رضي الناس الضيم لأهل الجزيرة المتصالحين مع غيرهم ومع انفسهم،إذ لم يتفاعل الإعلام بنكباتهم ومجازرهم المستمرة أشهر عديدة بينما الدولة ما زالت في عطلة رسمية إزاء ماحدث لهم …

فمتى يعود أهل السماحة والكرم إلى أرض المحنة..قلب الجزيرة..

(5)

حدثني احد النازحين من الحرقة أنهم لما ايقنوا بنية هجوم قوات حميدتي عليهم طلبوا قبل ساعات من الهجوم السلاح من الدولة لشباب القرية للدفاع عن انفسهم لكنهم لم يجدوا الا صدى صوتهم المبحوح..

نأمل أن يكون اختيار الفريق الركن آدم هارون لقيادة فرقة الفاو صفحة جديدة لإنهاء معاناة أهلنا المغلوب على أمرهم ونهاية لسلسلة التخاذل الذي عرفناه ورأيناه رأي العين في مدني وكاد أن يحدث في القضارف لولا لطف الله ورحمته…

اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع التي تحبُ أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى