أصدر المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير بمناسة مرور خمسة أعوام على إسقاط نظام الانقاذ وعام على الحرب الدائرة في البلاد جاء فيه :
“خمسة أعوام على إسقاط النظام وعام على الحرب … ولا يزال شعبنا متمسكاً بأهداف ثورة ديسمبر ومصمماً على إنهاء الحرب وتحقيق السلام والحكم المدني الديمقراطي”
مع حلول شهر أبريل، يعود بنا الزمن إلى لحظات تاريخية فارقة، حيث نستذكر الذكرى التاسعة والثلاثين لانتصار ثورة مارس/أبريل 1985م التي أطاحت بديكتاتورية مايو، وكانت مصدر إلهام لشعبنا الذي خاض بعد أربعة وثلاثين عاماً منها، في صبح السادس المنصورِ من أبريل 2019م، الجولة الفاصلة في ثورة ديسمبر المجيدة.
حين زحفت جموع الثائرين نحو القيادة العامة، وأسقطوا نظام الإنقاذ الشمولي المستبد في الحادي عشر من أبريل 2019م ، قبل خمسة أعوام من اليوم. وفي الشهر ذاته – والمفارقة المؤسفة – نحمل ذكرى مرور عام على اندلاع حرب 15 أبريل 2023م، الكارثة التي أشعلتها فلول النظام البائد كعقاب لشعبنا على إسقاطهم، وفي محاولة يائسة لاستعادة السلطة.
ولكن، وبعد عام من الكارثة، يقف شعبنا أكثر تصميماً على تحويل هذه المحنة إلى فرصة لإنهاء الشموليات وتأسيس حكم مدني ديمقراطي مستدام.
إننا في قوى الحُرية والتغيير، نترحم على كل الشهداء من المدنيين/ات والعسكريين، ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين والجرحى، ونأمل في عودة آمنة للنازحين/ات واللاجئين/ات إلى منازلهم/ـن ومقر إقامتهم/ـن بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها، آملين أن يكون ذلك في القريب العاجل، كما نجدد ادانتنا المغلظة لكل كل الانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها أطراف النزاع، خصوصاً ما ورد في تقارير لجنة خبراء الأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان، وندين أيضاً جرائم قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، واستمرار العنف في دارفور وكردفان، وتوسع الصراع إلى ولاية سنار وتخوم ولاية القضارف.
كما ندين استمرار عمليات القصف الجوي من القوات المسلحة السودانية وعمليات الاعتقال غير القانونية، ونؤكد على موقفنا الرافض لكل الانتهاكات غض النظر عن مصدرها ونؤكد على موقفنا الثابت بضرورة محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات والجرائم، ونشدد على أنه لا تصالح معها، وأن موقفنا كان وسيبقى هو الانحياز للضحايا ورفض كل الأنساق الإجرامية.
شعبنا الصامد؛
في العام الأول من هذه الحرب صار السودانُ هو الكارثة الانسانية الاكبر في العالم فها نحن نشهد مأساة إنسانية حيث سقط على الأقل ١٦ ألف قتيل مدني، وأُجبر ١٠ ملايين على النزوح واللجوء، بحثًا عن الأمان بعيداً عن الحرب والأكثر إيلاماً، أن هناك ١٧ مليون يواجهون خطر فقدان الأمن الغذائي، و٢٤ مليوناً – أي نصف عدد السكان تقريباً – بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية العاجلة، أما الأطفالُ زهور الحياة، يعانون بشكل خاص حيث يواجهُ 250 ألف طفلاً خطر الموت جوعاً، ويوجد ١٩ مليون طفل خارج أسوار المدارس، محرومين/ات من حقهم في التعليم. وتوقفت ٧٠٪ من المستشفيات عن العمل، مما يزيد من صعوبة الوضع الصحي، دون عن احتلال المرافق الصحية وقتل الكوادر الصحية، كما ندين استخدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات كأداة صراع، مما زاد من معاناة المواطنين/ات، وخاصة فيما يتعلق بالتحويلات البنكية الضرورية لشراء الدواء والغذاء.
تصدت القوى الديمقراطية المدنية عموماً والفاعلين الإنسانيين من غرف طوارئ وطرق صوفية (التكايا) في مناطق مختلفة من السودان ، في لوحة تكافل اجتماعي غير مسبوقة، جابهوا خلال عملهم التحديات و المعوقات في تحركاتهم شتى الصنوف من تضييق الأمني والاستخباري وصل بعض المراحل للإعاقة الكاملة والاعتقال والإخفاء القسري، في ما أسهمت القوى الديمقراطية المدنية في إنشاء آلية للعون الإنساني وتحركات مباشرة مع الأطراف الإقليمية والدولية للتنبيه والتبصير بالأوضاع الإنسانية وضرورة التفاعل الإقليمي والدولي مع الكارثة الإنسانية والعمل على التصدي لها ووقفها وإنقاذ حياة ملايين السودانيين والسودانيات.
نشدد في قوى الحرية والتغيير على أهمية استجابة دولية أكبر وأسرع للأزمة الإنسانية، ونطالب بإلزام الأطراف المتحاربة بالتعاطي مع الشأن الإنساني بمعزل عن الصراع، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وعاجل لكل المحتاجين، كما نشكر الدول الشقيقة والصديقة ودول الجوار التي تحملت العبء الأكبر من موجات اللجوء، وقدمت الحماية والأمان للهاربين/ات من الحرب، وفي هذا السياق نتقدم بكل الشكر والتقدير لكل تلك دول قادة وحكومات وشعوب على كرمهم ودعمهم، ونأمل في منح السودانيين/ات وضعاً استثنائياً يخفف فيه من الإجراءات المرتبطة بالإقامة وتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية.
ندعو لتكثيف الضغوط الدولية لوقف الحرب وبدء عملية سياسية شاملة تضم القوى الديمقراطية المدنية الرافضة للحرب والمؤمنة بالانتقال المدني الديمقراطي على أن لا يشمل ذلك حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية والواجهات التابعة لهما لتحقيق الانتقال الديمقراطي ورسم مستقبل أفضل للسودان.
تشيد قوى الحرية والتغيير بمؤتمر باريس للقضايا الإنسانية الذي انطلق اليوم، ونرى فيه خطوة مهمة نحو تعزيز الجهود الإنسانية والسياسية، ونتطلع إلى دور أكبر من المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن الإفريقي ومنظمة الإيقاد، وكذلك الأطراف الميسرة لمفاوضات جدة ودول الجوار والدول الصديقة، لتقديم تدخلات عملية وملموسة تسهم في إنهاء الحرب وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة وفي هذا فإننا ومن خلال تحركاتنا الدبلوماسية مع دول الجوار والمجتمع الدولي نجحنا في تعزيز موقف ووجهة نظر السودانيين حول سبل إنهاء الحرب واستكمال أهداف الثورة للعالم والاقليم، وأن عليهم دعم الجهود التي تستهدف وقف الحرب وانهاء النزاع والتأسيس لانتقال مدني ديمقراطي وتفكيك تمكين النظام السابق وضمان عدم عودته، وتسليم المطلوبين للعدالة الدولية ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب.
إن النظر في كتاب خسائر حرب أبريل 2023م يظهر تعرض السودان لتدمير غير مسبوق للبنية التحتية والإنتاجية والخدمية والعمرانية، خاصة في العاصمة حيث بدأت شرارة الحرب.
الخسائر المباشرة والفعلية تجاوزت مليارات الدولارات، مما يهدد إعادة الاستثمارات وجذبها في المستقبل، فقد تراجع الاقتصاد بنسبة ٤٢٪، مما يعكس حجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية والقدرة الإنتاجية للبلاد. القطاعات الحيوية تأثرت بشكل كبير؛ حيث تراجع القطاع الزراعي بنسبة ٦٥٪، والقطاع الصناعي بنسبة ٧٥٪، وقطاع الخدمات بنسبة ٧٠٪. وقد شهدنا خسائر في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ٢٥٪ خلال عام واحد فقط. تكلفة إعادة الإعمار تقدر بـ ١٥٠ مليار دولار، وهو رقم يعكس عمق الدمار والحاجة الماسة للدعم الدولي لإعادة بناء السودان.
تحول الاقتصاد بالكامل إلى اقتصاد حرب، مع تنصل الدولة من مسؤولياتها الأساسية وفرض رسوم باهظة على الخدمات الأساسية.
خسرت الحكومة جُل إيراداتها، وأصبحت تعتمد بشكل كبير على الضرائب، ومع استمرار الحرب، عجزت مؤسسات الدولة عن جمع الإيرادات الكافية حيث فقدت أكثر من ٨٠٪ من ايراداتها، وتم تخصيص الموارد المتاحة للإنفاق الحربي، مما أدى إلى نهب الموارد والثروات وإنشاء شبكات مصالح فاسدة.
تسببت الحرب في أضرار جسيمة لقطاع الأعمال والقطاع الخاص، وفقدان ملايين الوظائف، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتحميل السودانيين في الخارج العبء الأكبر، ورغم ذلك تلقى السودانيون مساعدات محدودة بسبب الأوضاع الأمنية وضعف آليات التوزيع، مما أثر سلبًا على الإنتاج الزراعي وزاد من المعاناة الإنسانية والمخاطر الاقتصادية، كل ذلك يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن الحرب تتطلب ضغطًا دوليًا لوقف العدائيات وتوفير المساعدات العاجلة، وتأمين العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، وإعداد خطط ومشروعات إعادة الإعمار لتمكين النازحين واللاجئين من العودة واستئناف حياتهم، وجذب الاستثمارات اللازمة لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
شعبنا المنتصر؛
باتت الصورة أكثر وضوحاً على المستوى السياسي بعد مرور عام على الحرب مقارنة بالفترة التي سبقتها وتلتها بعد اندلاعها بإستغلال وتحريف التحذيرات التي سبقت إشتعالها من مغبة قطع الطريق على الاتفاق الإطاري باعتباره يدفع القوات المسلحة والدعم السريع لمعالجة خلافاتهما باللجوء لساحة المواجهة المسلحة بينهما وتم إخراج تلك التحذيرات من سياقها وتحريفها وكأنه تهدد بالحرب عوضا عن مقصدها في التحذير منها لاستخدامها كدليل إثبات الاتهام للقوى الديمقراطية المدنية بإشعال الحرب، وبات الواقع اليوم يظهر بجلاء أن الذين أشعلوها بالأمس هم الحريصين والمصرين على إستمرارها بشتى الطرق والسبل اليوم بإعاقة وقطع الطريق أمام كل محاولات إيقافها، في ما بلغت عبثية المشهد ذروتها بإصدار أوامر قبض للمنادين والعاملين على وقف الحرب في وقت يتمتع الهاربين من السجون بكامل الحرية ويشارك بعضهم في مجهودات إذكاء نار الحرب !!!.
ما عاد بالإمكان إخفاء الحقائق وإنكارها فذات القوم الذين اخفوا هوية انقلابهم المشؤوم في 30 يونيو 1989م ونفوا عنه أي صفة حزبية أو سياسية تباروا بعد عقد من الزمان لإظهار الولاء للحزب السياسي صاحب الإنقلاب “بأن أذهب للقصر رئيساً وخذني للسجن حبيساً” يعيدون اليوم ذات الأمر بعدما أظهرت الوقائع في كل يوم بأنها حرب النظام المباد التي هدد وتوعد بها قبلها في حال التوقيع على الاتفاق الاطاري، فمن لم تقنعه أذنيه وهو يستمع إلي تهديداتهم قبل الحرب، فيصدق عينيه وهو يشاهد عودة منسوبي النظام المباد للواجهة مجدداً سياسياً وإقتصادياً وإعلامياً وحتى دبلومسياً بالعودة لذات تحالفات النظام المباد مع إيران وشبكة تحالفاته وثيقة الصلة بالإرهاب وزعزعة الإستقرار الإقليمي والدولي، ومن لم تسعفه كل تلك الحقائق فليعد البصر كرتين في قوائم المحرضين والمنفذين للاعتقالات ويتفحص في سيرة ومسيرة من يتم القبض عليهم تعسفاً من منسوبي الحرية والتغيير والقوى الديمقراطية والمدنية ولجان المقاومة وغرف الطوارئ والمدافعين والمدافعات عن الحقوق ضد الإنتهاكات، وهي شواهد تؤكد أن المعركة الحقيقية هي مع القوى الديمقراطية المدنية لوأد مشروع الإنتقال المدني الديمقراطي وإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة وإعادة النظام المباد لسدة الحكم مجدداً.
تعرضت القوى الديمقراطية المدنية، وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير، لاستهداف ممنهج منذ إسقاط النظام المباد في 11 أبريل 2019م، ورغم اعترافنا بالأخطاء التي رافقت المرحلة الانتقالية، فإننا لا نزال متمسكين بمبادئ الثورة وأهدافها في تحقيق الحكم المدني الديمقراطي، ونرفض الحرب كوسيلة ونطالب بمحاسبة ومعاقبة كل من يثبت تورطه في انتهاكات وتجاوزات، ونؤكد على ضرورة وقف الحرب فوراً والبدء في مفاوضات جادة لإنهاء الأزمة وتحقيق السلام والاستقرار.
خلال عام من الحرب، واجهت القوى الديمقراطية المدنية تحديات جمة، لكنها صمدت أمام كل محاولات التخوين والتجريم وأثمرت جهودها في تأسيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” في أكتوبر 2023م، وهي خطوة مهمة نحو بناء جبهة مدنية ديمقراطية تعمل على وضع أسس إنهاء الحرب وتحقيق السلام وتأسيس حكم مدني ديمقراطي. هذه الجهود تؤكد على إصرار الشعب السوداني على تحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة وبناء مستقبل يسوده السلام والديمقراطية.
إننا نجدد دعوتنا لكل أبناء وبنات الشعب السوداني في مناطق الحرب والنزوح ودول اللجوء إلى تعزيز التكاتف والتعاون لتخفيف أضرار الحرب والعمل معاً من أجل تحقيق السلام وإنهاء النزاع.
نؤمن بأن الظلام الذي يسبق الفجر لن يدوم، وأن الحرية والانعتاق من الظلم هي الهدف الذي نسعى إليه جميعًا. ولنتذكر إن الدروس المستفادة من تجربة العام الأول لحرب أبريل 2023م تشير إلى خطورة تأسيس مؤسسات موازية للدولة، خاصة في المجال الأمني والعسكري.
العبرة تكمن في ضرورة بناء قوات نظامية قومية مهنية تخضع للسلطة المدنية الدستورية، ملتزمة بحماية الشعب والوطن وتعزيز الحكم المدني الديمقراطي، وأن الوقت قد حان للنظر إلى الأمام والعمل معًا من أجل مستقبل يسوده السلام والديمقراطية والعدالة، مستقبل يعيد للسودان مكانته ويضمن لشعبه الحرية والكرامة. ندعو جميع الأطراف إلى تحمل مسؤولياتها والانخراط في حوار بناء يفضي إلى حلول دائمة تضمن الانتقال السلس إلى حكم مدني يعبر عن إرادة الشعب السوداني.
وأخيرًا، نؤكد على أن الشعب السوداني لن يسمح بعد انتهاء الحرب لأي فئة مستبدة، سواء كانت عسكرية أو مدنية، بالسيطرة على مؤسسات الدولة ومواردها، وعززت الحرب إيمان السودانيين والسودانيات بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة والتمسك بحقهم في الحياة الحرة والكريمة، وبدورنا في قوى الحرية والتغيير نجدد إلتزامنا بمواصلة مسيرة الثورة لتحقيق دولة مدنية ديمقراطية تضمن الحرية والسلام والعدالة للجميع، أمامنا الصباح و بلغه في خاتمة المطاف وإن الغد لناظره قريب، والنصر معقود للشعب السوداني الذي قاوم الطغاة وهزمهم عبر العصور.
المكتب التنفيذي – قوى الحرية والتغيير