الكتاب

السفير عبدالله الأزرق يكتب.. أخطأت ياسعادة الفريق الكباشي

حين كنت دبلوماسياً بجنيف ؛ وفي حالة نادرة  ، اتصلت الشرطة السويسرية بالسفارة وطلبت مساعدتها في التعرف على هوية طالب لجوء ادعى أنه سوداني . وافقت على طلبهم ، وبعد مدة زمنية قصيرة حضرت الشرطة وبرفقتها شخص بدا لي  من سحنته ، أنه ربما يكون من أفريقيا الوسطى أو أحدى الدول جوارها .

سألته عن موطنه بالسودان ؛ فقال إنه من جوبا . سألته فيما إذا كان زار الخرطوم فقال إنه يذهب للخرطوم بدراجته الهوائية  من جوبا كل يومين !!!

أحضرت خريطة للسودان ، وطلبت منه  تحديد موقع جوبا في الخريطة ، فوضع القلم الذي اعطيته إياه في منطقة قريبة من دنقلا !!!

بيّنت للشرطة السويسرية موقع جوبا الحقيقة . وذكرت لها أن المسافة بين جوبا والخرطوم حوالى 1200 كيلومتر ؛ وهي المسافة التي ادعى انه يقطعها بدراجته كل يومين !!!

قال لي ضابط الشرطة : لا نحتاج للمزيد ؛ هذا يكفي جداً ؛ وشكرني مصطحباً منتحل الهوية السودانية .

تذكرت تلك الواقعة اليوم وأنا أستمع لحديث سعادة الفريق الكباشي . وما ذكرني هو أن دافّةً دفّت علينا من بلادٍ كثيرة ، واستوطنت وتمتعت بكل الخدمات وحقوق المواطنة وعمرها في السودان حديث . بل ودخلوا من أبنائها في مرافقنا الحساسة مثل الجيش والأمن والشرطة والخارجية والبنك المركزي ، وما إليها . وكل هذا كان غفلةً منا وسوء حكمٍ وتدبير .بل سذاجة .

ومن تجربتي في العمل في بريطانيا ؛ أعرف أن الانجليز تسمح قوانينهم للمجنسين بالعمل في كل المرافق نظرياً . لكن دخول بعضها تحفّه عقبات يضعونها ولا يعلنون عنها . أما الترقي لمناصب عليا حساسة . فدونه خرط القتاد . وذلك أن لديهم نظام غير مُعلن يسمونه :                           ” السقف الزجاجي ” the Glass ceiling . هذا السقف الزجاجي غير المعلن قصدوا منه حجب المجنسين عن تولي المناصب الحساسة . فالمجنس  أو ابنه يدخلون الشرطة مثلاً ؛ لكن من المستحيل أن يصلوا إلى منصب مدير الشرطة مهما بلغت مؤهلاتهم أو قدراتهم . ولن تجد غير انجلوسكسوني محافظاُ لبنك بريطانيا . ويتساهلون معهم في المستويات السياسية بعد إحاطتهم بمن يمسك أطواقهم ( ريتشي سوناك ) .

 

نحن من جانبنا  “طالقين المَقَادة ” لكل من يفد إلينا حتى استباحونا . فمنهم من شارك الحركات  المتمردة في قتالنا . وبلغ الأمر أن استجلبت الأمارات الألوف فجندتهم مليشيا أولاد دقلو .

 

وبعد سقوط حكم البشير تسنمت القيادة عناصر قوى الحرية والتغيير ( قحت ) ومنونا الأماني وزعموا أنهم رواد التغيير ؛ فأمّل الشباب فيهم خيراً . لكنهم للأسف لم يحسنوا إنشاء طارف ولا الإبقاء على تليد ؛ بل دمروا البلاد تدميرا ؛ حتى أفضوا بنا إلى ما نحن فيه الآن .

وعبر تاريخنا الحديث كان قادتنا من العسكر هم من تركوا بصمات نٍَيّرَات ؛ فأقاموا مشروعات التنمية والبنى التحتية وحفظوا أمننا . شهدنا ذلك مع عبود والنميري والبشير .

 

ولأنني مع الجيش قلباً وقالباً ، لا أريد أن يتطاول عليّ مرجف إذا انتقدت الفريق الكباشي اليوم . ولا أريد أن يتطاول علي متطاولون ، فيرمونني  بمولاة حزب أو جهة ونحن في أتون معركة تستهدف أعراضنا وأرواحنا . فأنا مواطن من حقّه أن يُقَوّم القيادة متى رأى فيها زَيْغَاً .

تحدث  سعادة الفريق الكباشي اليوم في القضارف بفوقية ما عهدناها عليه . وأخطأ في تقديره للأمور بصورةٍ أراها مريعة .

 

وكانت القيادة العسكرية أنفقت المليارات في تجنيد وتدريب قوات مناوي وجبريل وغيرهم من الحركات الدارفورية ؛ فزادت عديدهم وعدتهم .

تحدث الفريق الكباشي ضد رفع أي لافته سياسية وهو مصيب في العموم ؛ لكنه نسي أنه يتحدث تحت لافته سياسية / عسكرية وهي قوات مناوي . ولو أنه أعلن دمجها في الجيش مباشرةً لما أرسلنا عليه سهام نقدنا .

 

وكنت كتبت عن مخاطر تدريب وزيادة عديد وعتاد تلك الحركات الدارفورية . ذلك لأنها قبلية الولاء قبلية القيادة والتوجه ولها في ذلك تاريخ . ولم تستجب لمنادي الجهاد هذه الأيام إلّا بعد ضغوط وتهديدات من قيادتها القبلية بعد أن استهدف الجنجويد مناطقها في الفاشر وما حولها . وقبلها أعلنت الحياد !!!

 

وقد تماطلتم سعادة الفريق في الاستجابة لمناداة الجماهير والنخب لإعلان الاستنفار شهور عددا ؛ والمرتزقة يتقدمون كل يوم . ثم ظللتم تتباطأون في فتح المعسكرات للمستنفرين . ولما أصبح الحشد الشعبي أمراً لا مفر منه تقاعستم  في تسليحه ولازلت تتقاعسون . لكنكم تنشطون في تسليح الحركات القبيلية ؛ في تكرار لما فعلتموه مع أولاد دقلو .

 

المعرضون للخطر اليوم موجودون بخاصة في وسط وشرق وشمال السودان . أولئك الموسومين بالجلابة من قبل عصابات أولاد دقلو . ولدى إحساسهم بالخطر انخرطوا في معسكرات الاستنفار . والقلة منهم التي شاركت في القتال أبلت بلاءً حسنا وحققت انتصارات لا ينكرها إلّا صاحب غرض .

 

هؤلاء المستنفرين في المناطق المعرضة للخطر لا يعرفون قبيلة ولا انتماء حزبي أو جهوي .

 

هؤلاء يعرفون السودان وحماية الأعراض والأرواح . فلماذا تستهدفهم وتطالب بسحب سلاحهم ؟ هؤلاء سند الجيش وظهيره ولم ينفردوا بقيادة أو قرار من دونه . فلم كل هذا الانفعال ؟

ولماذا تريد أن تُجهض حملاتهم الاعلامية ؛ في وقت تعمل فيه المليشيا وقحت عبر منصات اعلامية تمولها دول . والاعلام سلاح مثل البندقية .  ومن دونه ستذهب رصاصاتها ” فشنك  “.

 

بالأمس فقط استهدفت المليشيا 17 قرية في الجزيرة ، وانتم تأخرون  هجوم الجيش هناك شهورا ؛ وها أنتم توجهون بسحب أسلحة  أقلية مسلحة تريد حماية اعراضها وأرواحها ؛ والتَوَقّي من عصابة مجرمين  – يدعمها عملاء قحت – لا تُحسنُ إلا القتل والنهب والاغتصاب والكراهية .

 

توجيهاتكم تلك تثير

الشبهات ، في ضوء ضغوط نعرفها تتولى كبرها أميركا والدول الغربية ؛ مناديةً بتفريغ ( Nullification ) المقاومة الشعبية من محتواها .

 

ونحن في أتون حرب لا تحتمل الشكوك والشبهات حول قيادة الجيش .

توجيهاتكم تلك تثير الفزع في نفوس أهلنا المستهدفين ، خاصةً أنكم تعانون من  ” الحول  السياسي ”  فلم تعودوا تقوون على النظر  إلّا في اتجاه واحد . وقد لازمكم هذا الحول السياسي  أمداً طويلا . واعتقد أنك فهمت ما أرمي إليه .

جانبك الصواب وجانبته ، سعادة الفريق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى