العراق وسوريا وباكستان.. لماذا توجهت هجمات إيران لهذه الدول؟
وجَّهت إيران صواريخها تجاه 3 دول، خلال 24 ساعة، هي العراق وسوريا وباكستان، وقصفت أهدافا فيها، ليست من بينها مصالح أميركية ما يدل على تجنّبها أي تصعيد مع واشنطن، وفق خبراء.
ويحلل باحثون سياسيون دوافع هذه الهجمات في هذا التوقيت، ولماذا لم تُستهدف قواعد ومصالح أميركية، وما إن كان “توازن الردع” بين طهران وواشنطن ما زال قائما.
الضربات الثلاثة وردود الفعل
تتابعت الضربات من مساء الإثنين وخلال نهار الثلاثاء:
أطلقت طهران 4 صواريخ “خيبر شكن” تجاه ما قال الحرس الثوري الإيراني في بيان، إنها “مجموعة تكفيرية” في مدينة إدلب بسوريا.
إطلاق 11 صاروخا تجاه ما قال الحرس في بيان نشرته وكالة “تسنيم” الإيرانية، إنه “المقر الصهيوني” في إقليم كردستان العراق، في إشارة إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد”.
وفق البيان، فإن الضربات الصاروخية نحو إدلب جاءت “ردا على جرائم الجماعات الإرهابية”، التي نفّذت تفجيرات كرمان داخل إيران، وذلك بعد تحديد أماكنها والمسؤولين عن التفجيرات، بينما جاءت الضربات نحو كردستان العراق ردا على ما قالت إنها تحرّكات إسرائيلية “عدوانية” أدت لمقتل قادة في الحرس الثوري وجماعات مرتبطة به.
استدعت بغداد سفيرها لدى طهران لـ”التشاور”، كما استدعت القائم بالأعمال الإيراني، وسلّمته مذكرة احتجاج على ما وصفته بـ”العدوان” على أربيل، و”انتهاك لسيادة العراق”.
نفى مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، بعد وصوله إلى أربيل لتفقّد الموقع الذي استهدفته طهران، ما ردّدته الأخيرة عن أن الموقع يضم مقرا للموساد.
علَّق مسرور البرزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، خلال مؤتمر صحفي بدافوس، حيث يحضر فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي بقوله: “لا سبب يدعو لشن هذه الهجمات، وهي لن تمر دون رد”.
أدت الهجمات على أربيل لمقتل 4 أشخاص على الأقل، بينهم بشرو دزيي، وهو رجل أعمال بارز يمتلك شركات للعقارات والخدمات الأمنية، وأفراد من عائلته.
عقب ذلك، استهدفت صواريخ ومسيّرات إيرانية مقرّين لما يسمّى بجماعة “جيش العدل” في باكستان، وهي جماعة بلوشية تسعى إلى فصل محافظة سيستان وبلوشستان عن إيران.
تجنّب تخسير أميركا
عن سبب استهداف طهران أماكن بعيدة عن الوجود الأميركي، رغم اتهامها لواشنطن بالمسؤولية عن الصراعات القائمة في المنطقة، يقول الباحث في الشأن الإيراني، وجدان عبدالرحمن: “المعروف أن ردود طهران على واشنطن مدروسة ودقيقة؛ بحيث لا تؤدي لخسائر بشرية أميركية؛ لذا استهدفت أربيل بحجة ضرب مركز للموساد”.
وبقصف أربيل وإدلب “يمكنها التغطية على خسائرها، وإظهار شيء من القوة أمام أنصارها وحلفائها في إطار قوة الردع بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة بعد أن فشلت أذرعها في الحفاظ على قوة الردع هذه”، في إشارة لعدم توجيه رد كبير من هذه الأذرع على مقتل قيادات من حزب الله وإيران وحركة حماس خلال الأسابيع الأخيرة.
“فشل” قوة الردع
يتّفق الباحث العراقي المتخصّص في شؤون الأمن القومي الإيراني، فراس إلياس، مع عبدالرحمن، في أن “إيران عادةً ما تبحث عن ردود منخفضة الكلفة، والعراق هو البيئة الأنسب لها في هذا الأمر”.
ويُفسّر توجيه صواريخها إلى أربيل بأنه:
يدل على “مدى عجزها” عن المواجهة المباشرة، وفشلها في التعاطي مع التصعيد الإسرائيلي والأميركي في المنطقة ضمن معادلة توازن الردع.
كذلك تبرهن الضربات الإيرانية مرة أخرى على أنّ طهران ليست لديها القدرة على توسيع دائرة الصراع بالمنطقة، وتتخذ من العراق مخرج طوارئ لأزماتها.
وأمّا الهجمات التي توجّهها أذرع إيران وجماعات مرتبطة بها داخل العراق على القواعد الأميركية في العراق وسوريا، فهي “تأتي في إطار استراتيجية وحدة الساحات، وهدفها الرئيسي الاستنزاف وليس تحقيق النصر الحاسم على العدو، وإِشغال إسرائيل والولايات المتحدة عن إيران”.
لكن استراتيجية “وحدة الساحات” فقدت الكثير من قوّتها لعدم وجود شخصية توازي تأُثير قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، الذي قتلته غارة أميركية في العراق عام 2020.
تدمير النموذج الكردي
من جانبه، يشدّد رئیس حزب سربستي كردستان، المعارض لنظام الحكم الإيراني، عارف باوە جاني، على أن زعم طهران أنها استهدفت مقرا للموساد في أربيل هو “حجة كاذبة”، لكن أهدافها الحقيقية من الهجوم هي:
تدمير نموذج إقليم كردستان؛ حتى لا يمتد تأثيره لعمل نموذج كردي مماثل (حكم ذاتي) في منطقة كردستان الشرقية بإيران.
إيران ترى في كردستان العراق عدوا قائما، وموقعا محتملا أن تستخدم واشنطن أراضيه حال توجيه واشنطن ضربة أميركية لإيران.
توجد في كردستان العراق فصائل كردية إيرانية مسلحة؛ ما يهدد أمن إيران.
وسبق أن سعت بغداد لمنع توجيه طهران هجمات للعراق بحجة وجود هذه الفصائل، بأن وقّعت اتفاقية مع طهران لتفكيك معسكرات المعارضة الكردية الإيرانية في كردستان وإبعادها عن الحدود مع إيران، مقابل وقف العمليات العسكرية الإيرانية.
ووفقا للجنة العليا لتنفيذ الاتفاقية الأمنية، تم إخلاء جميع مقرات المعارضة الإيرانية على الحدود.