الكتاب

نبض للوطن- أحمد يوسف التاي- حكايات للتوثيق وفهم الراهن (6)

(1)
بعد مصادرة السلطات الأمنية للصحيفة، فكر الطيب مصطفى في اللجوء إلى المحكمة الدستورية، ولكن نصحوه بالعدول عن ذلك لأن المحكمة ستأخذ وقتاً طويلا بالمماطلة المتعمدة، وكانت هناك وساطات من جانب لجنة الحوار (7+7)، وشخصيات أخرى لإثناء البشير عن تمسكه باستمرار تعليق صدور الصحيفة، وذلك بعد إذ ثبت جلياً أن القرار اتخذه البشير، لكن كل محاولات الوسطاء باءت بالفشل.
وبينما ظل أقارب البشير ومصطفى ينصحون الأخير بمقابلة الرئيس وتسجيل زيارة له وشرب كوب شاي معه بالمنزل حينها ستنتهي كل المشكلة وتعاود الصحيفة الصدور، كان الطيب مصطفى يرفض هذه الخطوة، وسمعت منه أكثر من مرة يقول:(أنا علي الطلاق ما أعمل كدى؟ الجريدة إن شاء الله ماكانت)..
بعد أشهر من الإغلاق والمصادرة، تدخل النائب الأول بكري حسن صالح والذي كانت تربطه علاقة احترام متبادل مع الطيب مصطفى، ونجح النائب الأول في إثناء الرئيس عن موقفه حسبما علمنا، لكن بشرط أن نتخلى الصحيفة عن خطها الساخن، ومعروف أن خط الصحيفة هو محاربة الفساد بضراوة، فهل فعلت الصحيفة وأحنت رأسها للعاصفة الرئاسية..؟.
(2)
ابلغني الطيب بقرارفك حظر الصحيفة، والشرط الذي وضعوه بأن نتخلى عن خطنا (ونكون ناس مؤدبين)..
قلتُ له، وهو رئيس مجلس الإدارة،أن صحيفتنا حققت خلال شهرين فقط نجاحاً منقطع النظير وذلك بسبب خطنا المميز، وجرأتنا في الحق، وحربنا الشعواء على الفساد الذي استشرى وفرى كباد الناس اجمعين، فإذا تخلينا عن هذا الخط، نكون قد ذبحنا الصحيفة بأيدينا وستلحق بركب الصحف الفاشلة التي لايتعدى عدد قرائها أصابع اليدين وستكون عبارة عن نشرة حكومية، والحق اني وجدته أكثر حماسا للإستمرار في هذا الخط ، وقال لي
بالإنجليزية (Go ahead).
المهم وضبنا عدد الغد، وعدنا اكثر قوة وإصرارا على تحدي مافيا الفساد وجهابذته، وفي أول يوم لمعاودة الصدور كان عنواننا الرئيس يتناول احد ملفات الفساد التي اخفيتُها من القوة الأمنية التي داهمتنا لأخذ ملفات الفساد..
المهم..جنّ جنون السلطات، وأصدرت أمراً في الحال بإغلاق الصحيفة مرة أخرى ومصادرتها، أي لم يسمحوا لنا بالصدور إلا يوماً واحداً فقط، واستمرّ الإغلاق لمدة ستة أشهر إلا يوماً، إلى أن صدر قرار لاحقاً بمعاودة الصحيفة للصدور، وذلك في إطار الإنفتاح المصطنع لتهيئة مناخ الحوار المخادع مع المعارضة التي كانت تتعاطف معنا تماماً، إذ كانت تضغط لإلغاء قرار المصادرة.. المهم سمح الرئيس لنا بالصدور بشروط قاسية وهي مراقبة جهاز الأمن للصحيفة مراقبة لصيقة ومراجعتها قبل ذهابها للمطبعة، قبلنا بهذه الشروط مرغمين، مقهورين لا حول لنا ولاقوة..
(3)
في هذه الأثناء تم ترفيعي إلى رئيس تحرير، وكانت هناك معارضة وتحفظ وعتاب للطيب مصطفى من بعض اهله واصدقائه من الإسلاميين ، على اسناد رئاسة التحرير إلي، وذهب بعضهم إلى أن سبب الإيقاف هو الخط (المعادي ) الذي اتبناه واعبرعنه في مقالاتي، وقد قال بذلك د.إبراهيم غندور، وكتب أيضاً الهندي عز الدين في زاويته بهذا المعنى ، وقال بعضهم للراحل أن صفحتي الساخرة (زنكلوني) هي سبب الإيقاف..
(4)
فُرضت علينا رقابة أمنية استثنائية دون بقية الصحف،
وكان ضباط الأمن يحضرون مكتبي بعد المغرب مباشرة، يتنابون بالوردية في مراجعة الصحيفة، فيطلبون صفحات الجريدة على ورق (A3) للمراجعة، وكانوا لايتركون شاردة ولا واردة ،ولم يسمحوا لنا بنشر شولة دون إجازتهم لها، حتى المنوعات العالمية، والملف الثقافي، أما المقالات فحدث ولاحرج، وبسبب ذلك نتأخر عن الذهاب للمطبعة أحياناً حتى الثانية صباحاً، بينما الصحف الأخرى تصل المطابع منذ العاشرة مساءً وتتم طباعتها مبكراً، وفي احيان كثيرة لانصدر بسبب التأخير، أو لا نطبع إلا كمية قليلة، وبعض ضباط الأمن يدعونني ب(أحمد فساد) في محاولة للتهكم والسخرية…
نواصل..
اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

زر الذهاب إلى الأعلى