نبض للوطن- أحمد يوسف التاي- أحموا القضاء من هؤلاء (2)
(1)
ولما كان أمر القضاء حساساً للغاية بل مفرط في حساسيته كان لابد أن يكون كالخريدة في خدرها، محصنة من أكف اللامسين لا تشوبها شائبة، ولايحوم حول حماها ما ينتقص من قدرها العالي وشرفها الرفيع وهيبتها المهيبة..
في إحدى المحليات وقفت على تفاصيل أغرب محاكمة ربما في تأريخ القضاء..القاضي في تلك القضية (عمدة) يتبع لإحدى الإدارات الأهلية، ومن داخل حوش المحكمة الرسمية التابعة للجهاز القضائي، أصدر العمدة حكما على الشاكي بالغرامة، والسجن في حالة عدم الدفع ، وأطلق سراح المتهم ، وأودع الشاكي السجن في الحال..
وكان الشاكي أتى بأربع شهود أثبتوا الواقعة موضع التقاضي، كما جاء في تقرير القاضي الذي فحص ملف القضية وقضى بإلغاء الحكم وإرجاع مبلغ الغرامة للشاكي، وإحالة الملف لأحد القضاة المختصين.
(2)
المعلوم بالضرورة، ومما يعرفه حتى غير المختصين في دراسة القانون، أن الشاكي لا يدان بأي عقوبة، ولم نسمع بسابقة أن قضاء ً في العالم أدان شاكياً إلا ذلك القاضي (العمدة)، وأقصى ما يجده الشاكي حتى لو كان غير مُحِق هو شطب دعوته وتبرئة المتهم ، هذا ما تعلمناه من واقع التجارب ومؤانسة آراء أهل القانون…
(3)
من خلال متابعتي لتلك القضية والتي لفتت انتباهي، وأثارت استغراب عدد كبير من أهل القانون والعامة ممن لهم القليل من الثقافة القانونية، من خلال متابعتي لها علمتُ أن الشاكي تقدم بطلب لفحص أوراق القضية لدى أحد القضاة
المختصين من غير العُمد، وتمت إحالة الملف للتقاضي من جديد، وشهدنا الحكم على المتهم الذي كان قد برأته محكمة العمدة بالسجن ثلاثة أشهر …
لعل القاريء الكريم يلاحظ البون الشاسع بين حُكم العمدة الذي أدان الشاكي وبرأ المتهم، وحُكم القاضي الذي أدان المتهم بالسجن ثلاثة أشهر ولم يتأذى منه الشاكي بأي سوء..
(4)
مع احترامنا لأعمامنا في الإدارات الأهلية، أرى أن القضاء أمر حساس لايقبل المساس بسمعته، ولايحتمل ضعضعة الثقة فيه، ولايحتمل القيل والقال، وإن كان لابد من إعطاء دور للإدارات الأهلية في عملية التقاضي بين المتخاصمين، فلتكن هناك عمليات تأهيل وتثقيف قانوني للعمد والنظار من خلال الخضوع لدورات تدريبية وتنوير مستمر، وإلا فليقتصر دور العمد في (الجودية)…هل قلتُ (الجودية)؟..لهفي على الجودية التي كانت، فقد تغيّر الآن (طعمها) و(لونها) ودخل حماها أصحاب الأغراض والمصالح فجعلوها مسخ مشوه ومثير للإشمئزاز…اللهم اصلح الحال…
…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة اخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.