عادل عسوم: ياصاحبي،
لايخدعنك اليسار الجهلة بدين الله إذ يقولون بأن الدين علاقة (شخصية) للإنسان مع ربه، يسعون إلى حصر الاسلام في بضع شعائر تعبدية في الخلاوي والمساجد وفي صدور الناس لتخلو لهم سوح الحكم ويفصلوه عن الدولة، فيجعلوا الاقتصاد والدستور والأخلاق مرهونة بمناهج ماركس ولينين وميشيل عفلق ومحمود محمد طه، وللرد عليهم فإن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عندما دعى أهل مكة للاسلام لم تكن في الاسلام صلاة، ولاصيام، ولازكاة، ولاحج. فالصلاة لم تفرض إلا قبيل هجرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بعام ونصف، والصوم لم يفرض إلا بعد الهجرة الشريفة بعامين، والحج لم يفرض إلا بعد الهجرة بتسع اعوام!.
ياصاحبي،
الاسلام دين توحيد، والتوحيد ليس قاصر على قول لا إله إلا الله؛ انما منهج ينبغي أن يُخضع له المسلم كل حراك حياته، بل ومماته:
{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام 162، 163.
ياصاحبي،
لايجرمنا خلاف سياسي أن لانغضب لديننا عندما تنتهك محارم الله، وحري بالغضب أن يصل منتهاه عندما يرفض اليسار الاعتراف بالاسلام كمصدر للتشريع في وثيقتهم الدستورية!، قد يقول قائلهم (نحنا مسلمين بالفطرة)، وأن (الدين دا محفوظ من الله)، لعمري إنه الفهم الخاطيء منهم لمعنى حفظ الله للدين، وهو فهم خاطيء للذي ورد في الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9.
ومنهم من يتحجج لك بقول عبد المطلب بأنه رب الابل أما الكعبة فلها رب يحميها.
وللرد على ذلك فإن آية سورة الحجر الكريمة تتحدث عن كلام الله وقرآنه الكريم، وفيها عهد من الله ووعد بحفظ (القرآن) من التحريف، دون كتب سبقته قد طالها التحريف، وليس هناك حفظ تلقائي أو (ميكانيكي) للاسلام أو ماقبله من أديان دون أن يحرك أهله ساكنا، فحفظ الدين لايكون بالتقاعس و(ربّيع اليدين)، وإلا لما خرج الصحابة والتابعين للضرب في الأرض سعيا منهم لنشر دين الله في الآفاق، ولولا ذلك لما وصلنا الإسلام في السودان، ولبقينا على وثنيتتا وبعض من نصرانية وتثليث وكثير من إشراك بالله، إن حفظ الدين يكون بدفع الله الناس بعضهم بعضا، قال ربنا جل في علاه:
{…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} البقرة 251.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
(الدفع هو الرد عن المراد، فإذا كان المراد للناس أن يوجد شر، فإن الله يدفعه. إذن فالله يدفع ولكن بأيدي خلقه).
أما قول عبدالمطلب الذي يحتج به البعض، فإن عبدالمطلب لم يقل ماقال ثم انزوى دون فعل شيء تاركا البيت، إنما فعل كل مافي وسعه كما روت أمنا عائشة رضي الله عنها:
أورد الزمخشري في الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل في سورة الفيل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ان أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فجهره وكان رجلا جسيما وسيما، وقيل: هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال، فلما ذكر حاجته قال: سقطت من عيني، جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وعصمتكم وشرفكم في قديم الدهر فألهاك عنه ذود أخذلك، فقال: أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه، ثم رجع وأتى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول:
لا هم إن المرء يمنع أهله
فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم
أبدا محالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا
فأمر ما بدا لك
يا رب لا أرجو لهم سواك
يا رب فامنع منهم حماك
والتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن فقال: والله إنها لطير غريبة ما هي ببحرية ولا تهامية، وفيه أن أهل مكة قد احتووا على أموالهم وجمع عبد المطلب من جواهرهم وذهبهم الجور وكان سبب يساره.
إنتهى ايراد الزمخشري.
وبذلك فإن عبدالمطلب لم يتقاعس وهو يرى بيت الله مهدد، إنما فعل مافي وسعه.
حكى لي زميل دراسة في الجامعة من الفلبين، وهو من الطلبة الدارسين في معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها في جامعة أم القرى قال:
كان الشعب الفلبيني في غالبه على ملة الإسلام، وعندما تم احتلال الفلبين شرع المحتل في إصدار قوانين تبيح التفسخ والانحلال، وكان تبرير الآباء منا أن (الدين في القلوب)، ثم بدأ المحتل في تغيير المناهج التعليمية، وظل الآباء على قولهم، قالوا بأنهم لن يناهضوا المحتل ويحاربوه طالما لم يمنعهم الصلاة، بل كان المحتل يشيد بعض المساجد ويدفع للبعض المال للسفر لأداء فريضة الحج (بخبث وذكاء)!.
قال لي زميلي بأن المنتهي والمآل كان نشأة أجيال جديدة كلها متنصرة، عدا ارخبيل ميندناو الذي استعصم فيه أهله بدينهم، ورفضوا كل مساس به، وناهضوا المحتل وحاربوه.
ياصاحبي،
لاينبغي لمسلم أو مسلمة أن يرضى بالدنية في دينه، وان تبين للمسلم أن قرارا ما فيه مجانبة لدينه ويشتمل على رفض لأمر جاء من الله؛ لا ينبغي السكوت على ذلك، بل الرفض والمدافعة طالما اجمع من هم أكثر دراية بفقه الدين منا بخطل القرار ومجانبته لدين الله، وإلا فإن عقاب الله سيطال الأمة بأسرها كما قال ربنا:
{وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} الكهف
وقال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ، وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} الأعراف
ياصاحبي،
لايلام شيوعي أو بعثي أو ناصري إن قال أو فعل ذلك، إن منهجه مؤسس على رفض دين الله، ولكن مابال من يفعل ذلك وهو يعلن رفضه للشيوعية وفكر البعث وكل مناهج اليسار؟!
إن الغضب عندما تنتهك محارم الله واجب، وانا في الأصل لم نخلق سوى لعبادة الله إنسا كنا أو جنا كما قال ربنا جل في علاه:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات 5
وقد غضب لله ورسوله أحلم أمة الاسلام أبوبكر الصديق رضي الله عنه عندما رد على موفد قريش عروة بن مسعود في صلح الحديبية (جاهرا في وجهه بالسوء)، فنزل في ذلك قول ربنا جل في علاه:
{لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} النساء 148.
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: وفي قول الصديق لعروة (امصص بظر اللات) دليل على جواز التصريح باسم العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال. انتهى.
وهذا دليل بأن لاتكون للغضبة لأجل دين الله وفي سبيله حدود.
ياصاحبي،
كل مسلم منا معني بتطبيق الدين في واقع الحياة، ومن أقام الدين في نفسه يكون قد أعان على إقامة الإسلام في الأرض، والشريعة فيها واجبات عينية وواجبات كفائية، فالواجبات العينية تلزم كل مسلم إقامتها كالشعائر التعبدية، لكنها ليست كل الدين، فالله لم يعلن حربه على العباد في تفريط بصلاة او صيام أو حج، انما كان غضبه تعالى لأجل أمر اقتصادي/مالي بحت وهو الربا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} البقرة
والواجبات الكفائية لا بد أن تقوم بها الأمة بأجمعها، بحيث إذا أخلت بها أثم جميع أفرادها.
اللهم ولِّ علينا خيارنا، واحفظ السودان من جهل بعض أبنائه ومن كيد الأعداء، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
وقول يالطيف
[email protected]