الكتاب

  أيوب صديق يكتب: (بَلْكِــنْ البُرهان مُتكَيـّـِفْ عـَليهم)

صوت السودان

 

قد يستغرب القراءُ هذا العنوان، لاستغرابهم عبارتي (بلكِنْ)! ومُتكَيـّـِفْ عـَليهم) اما عبارةٌ بلكِنْ فهي عبارةً عند إخواننا في بلاد الشام، وتعني (احتمال كذا، أو ربما كذا)  وبعاميتنا نحن في السودان فتعني (يَمكِن..)!. وهناك من إخواننا في بلاد الشام من يقول “بلْكي” وبعضٌ آخـرُ يقول “برْكي”. ولعل ذلك بحسب مناطقهم.ومنهم من يقول “بَلْكِنْ” التي اخترتُها هنا في العنوان، أما الجزء الثاني منها وهو، (مِتكَيِّف عليهم) فيعني بلغتنا أيضا (مَبسوط منهم). لقد أعجبتني هذه العبارة كثيرا واستخدُامُها عند أحد زملائي في الإذاعة البريطانية في لندن،وهو من أحد تلك البلاد. فإذا قلتَ له مثلاً إن فلانًا تارك هؤلاء الناس يفعلون أشياء لا يُمكن لأحدٍ غيره أن يقلها ، فيجيبك مختصرًا الإجابةَ بقوله،” بَلْكن مُتكيفْ عليهم”. أي يمكن أنه مبسوط منهم، ولذا لا يسألهم!! ولقد اخترتُ هذه العبارةَ لغرابتها على من لم يسمعها من قبلُ عنوانًا لهذا الموضوع، ومن باب التشويق،ولعل غرابتها تكون سببًا مُبررًا لتساؤلي عما أشعر به من حيرة في ما سأورده هنا. والآن إلى الموضوع:
سأل صحفيٌ، أحدَ زُعماءِ الثوارِ في أفغانستان، بقوله،” كيف هَزمتم أقوى دولةٍ في العالم، وهي الولاياتُ المتحدة وأجبرتم قواتِها على مغادرة بلادكم؟” فرد عليه ذلك الزعيمُ الأفغاني بقوله،” اولا قضينا على عُملائها في الداخل، ومن ثَم تمكنا من طردِ قواتها من بلادنا.” وأولئك العُملاء الأفغان الذين قضى عليهم الثوارُ في بلادهم، فلأنهم كانوا خونةً لبلادهم محاربين لها، فهم كحال (آلقحاتة)عندنا، الذين اتخذوا لأنفسهم اسمَ (تقدم) الذي يُطلق عليه الآن كثير من الكتاب عندنا( تقــزُم). هذا، و ان كان أولئك الافغانُ عملاء خونةً لبلادهم فاجتث الثوارُ شأفتَهم، فهم على الاقل اكتفوا بالعمالة لجهةٍ واحدة هي الولاياتُ المتحدة، أما العُملاء الخونة في بلادنا ــ وإن كانت العمالةُ والخيانة ملةً واحدة ــ فلم يكتفوا بها لجهة واحدة، بل اختاروا لها جهات عدة عالمية وإقليمية في الوقت ذاته، ورغم ذلك كله فلم يفعل قادتنا معهم ما فعله قادة الأفغان مع عملاء بلادهم، ولذا استمرأ هؤلاء العملاءُ الخونة عندنا العمالةَ و الخيانة، إلى درجةٍ أنِ اشتط بهم واهمُ الأملِ، بأن تعيدهم تلك الجهاتُ التي هم عُملاءُ لها حكامًا على بلادنا مرة أخرى. وهنا يحضرني المثلُ الاسكوتلندي القائل:(لو كانتِ الأمنياتُ خيلاً لركبها المتسولون)، وذلك لاستحالة تحقيق تلك الامنية. ومن المحير أن قادة بلادنا وهم يخوضون غمار حربٍ عوان ضارية، يدافعون فيها عن البلاد، وقد التف حولهم سوادُ الأمة، تاييدا لهم، بما لم ينله حكام غيرهم من قبل، لم يفعلوا شيئا حتى الان بشأن هؤلاء العملاء المتغلغلين في أجهزة الدولة، وهم يحاربون بطرقهم الناعمة الخاصة، التي لا تقل خطورة عن الحرب بالاسلحة!! ولذا جأر بالشكوى من وجودهم في مفاصل الدولة عددٌ من الناس وكان ذلك مجال كتاب الرأي، إلى درجة أن سمى بعض اولئك الكتاب بعضا ممن وصموهم بالعمالة باسمائهم ومناصبهم. وهنا أشير إلى حملة عنيفة يشنها الكاتب القانوني المعروف الدكتور عمر كابوا، على عددٍ من المسؤولين في سلك الخدمة المدنية ممن وصفهم بالعمالة للجنجويد فقد سمى منهم صراحة محافظ بنك السودان المركزي، الذي طالب البرهانَ مرارًا بإقالته من منصبه، وأتى بوقائع بعينها باعتبارها بينات ضد هذا المحافظ، حسب قوله. وقال كابو فيما قال،” كتبت مقالًا (أول البارحة) حمل عنوان:(إقالة محافظ بنك السودان واجب الساعة يا البرهان. ماذا تنتظر منه أكثر من هذه الخطوة ليثبت لك تآمره على الدولة والشعب ؟؟؟!!!))… وزاد تساؤل الكاتب عما الذي يجعل البرهان يتمسك بهذا المحافظ رغم فداحة أخطائه وعلاقاته القوية مع آل دقلو محل الشك والريبة ؟؟
ذلك ما قاله الدكتور عمر كابو في محافظ البنك المركزي ، الذي لم ينف – اي المحافظ – ذلك عن نفسه، ولم يدافع عما انتقده بسببه الدكتور كابو، ولم يفعل البرهان شيئـًا بشانه حسب قول الكاتب!
ومن قبلُ شدد الدكتور كابو نقده لرئيسِ القضاء، والنائبِ العام، متهمًا إياهما بالتباطؤ كُلا في مجاله، بما يخدم الدعم السريع في حربه هذه. وفي هذا الجانب كذلك كتب الصحفي المعروف عبد الماجد عبد الحميد مقالاً بعنوان: (وزارة العدل والنيابة العامّة ..التمكين للجنة إزالة التمكين) ومن أخطر ما قاله نصًا عن وزير العدل،” المدهش في الأمر أن وزير العدل يقوم منذ مدة بالتمكين لأبرز رموز لجنة التمكين البغيضة حيث أعاد عدداً منهم إلي رئاسة الوزارة ببورتسودان،). ذلك ما قاله الصحفي عبد الماجد عبد الحميد عن وزير العدل. ومن كتاب الرأي الذين جأروا بالشكوى كثيرًا من وجود أعوان الدعم السريع في مفاصل الدولة، الأستاذ صبري محمد على/ العيكورة. فقد سبق أن شكا كثيرًا من وزير الاعلام السابق، حتى سُر بزواله من منصبه، وجيء مكانه بالأستاذ خالد الإعيسر، الذي أفلح كثيرًا من قبل في التصدي للكذبة المنكري الحقائق، من أنصار الجنجويد على شاشات القنوات الفضائية. يبد أن الأستاذ صبري/ العيكورة لا يزال يشكو من وجود رئيس الوزراء المكلف، الذي يرى أنه من أسباب تغلغل القحاتة في مفاصل الدولة، لما يرى من سلبية في أداء الرجل، وظل يطالب البرهان كثيرًا بتغييره، ولم يفعل البرهان بشانه شيئا كذلك!
كل تلك الشكاوى من العيكورة ومن الدكتور كابو ومن عبد الماجد عبد الحميد ومن غيرهم، قد سمعها البرهان ولكنه ضرب عنها كلها صفحا كما يبدو لنا،ولم يفعل شيئًا بشانها بدليل وجود هؤلاء المشتكى منهم في مواقعهم حتى الآن. بل أكثر الناس شكوى من تغلغل انصار المتمردين في مفاصل الدولة هو الفريق ياسر العطا، وهذا حقا وجه الغرابة هنا!! إذ إلى من يا تُرى يشكو الفريق ياسر العطا؟ فهو زميلٌ للفريق البرهان، الرجلِ الأول في قيادة الدولة، الذي بيده مقاليد الحل والعقد، وهو الذي يُمكنه أن يلتقى به في كل آونةٍ وحين والتحدث معه دون واسطة، عن هذا الخللِ الخطير، المعيق لمسيرة دولاب العمل في الدولة، ولا سيما في هذه الظروف البالغة الخطورة، اذ هؤلاء المتغلغلون في مفاصل الدولة من انصار التمرد هم محاربون فعلا مثل حاملي السلاح.
وبلا ريب فإن الفريق البرهان قد سمع من الفريق العطا تلك الشكاوى كلما جرت على لسانه، بل كما سمع من الذين ذكرتهم انفا
، وضرب عن كل ذلك صفحـًا ولم يفعل بشـأنه شيئـًا!!!
ترى هل تحقق البرهان من كل تلك الشكاوى والاتهامات الخاصة بهؤلاء الرجال الذين وردت اسماؤهم، باعتبارهم من مؤيدي المتمردين، ولم يجد صحة لها! و هي اعمال رديف لاعمال هذه الحرب المسلحة، التي يقود هو، اي البرهان قوات محاربتها بكل عزيمة و اقتدار، مما ادى إلي هزائم المتمردين المتلاحقة كل يوم، أم انه ترك امر هؤلاء (الجنجويديين) في مفاصل الدولة، وضرب بكل ما قيل عنهم عرض الحائط!!!!؟
و لعمري لم يبق لنا إلا ان نقول مستغربين ومتعجبين بعبارة اخوتنا في بلاد الشام:
(بَلْكِــنْ) البُرهان مُتكَيـّـِفْ عليهم)!*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى