جعفر عباس يكتب عن الصمت على مآسي الحرب
عاتبني البعض، لأنني لم أكتب عن مأساة أهل شرق الجزيرة، الذين يتعرضون لشتى صنوف العسف والعنف، على أيدي قوات الدعم السريع، ورغم انني ارفض الوصاية على حسي والتزامي الوطني، إلا انني احترمت المعاتبين، حتى وبعضهم يقسو علي، فالوضع في تمبول ورفاعة والسريحة وأزرق وغيرها أكثر من مأساوي، ولم أكتب عنه في حينه، لعدة أسباب من بينها أنه ليس لدي جديد أضيفه، وليس من عادتي لطم الخدود وشق الجيوب بالحرف المقروء او المسموع، حتى وأنا أبكي “داخليا” بدمع الدم، لأن وطننا كله أضحى صيوان مأتم، ولأن المصدر الأساس لمعلومات معظم من يكتبون عن الحرب هو واتساب، الذي أتعامل معه بمنطوق الآية الكريمة “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا…”، والكذب في الحروب ضرورة تكتيكية لرفع المعنويات من جهة ولتحطيمها من جهة أخرى، مما يعني ان معظم ما يرد حتى عبر وسائل الاعلام التقليدية لا يخلو من الكذب الصراح، ولكن السبب الأهم من كل ذلك- وأقول هذا على استحياء- هو أنني أعاني من احباط مدمر بشأن مآلات الأمور في وطني، ولم اعد استطيع رؤية مقاطع الفيديو البشعة للعبث بجثث الموتى وإذلال الأسرى (والدعامة يستمتعون بجعل من يقع في أيديهم ان يقول: بااااع، وهذه قمة الاستهانة بآدمية الأسير) ويفاقم الاحباط تناسل وتكاثر المليشيات، وانتشار السلاح، مما ينذر بصراعات قبلية وجهوية حتى لو انتهت الحرب بين طرفيها الرئيسيين. واستمعت بالأمس الى العميد طارق كجاب وهو يقول ان من يحارب الدعم السريع فعليا، هم المستنفرون وليس الجيش، ومهما قلنا عن استبسال المتطوعين، فمعرفتهم بالعلوم العسكرية ضعيفة، ثم هل سيضع بعض المستنفرين السلاح، إذا توصل الطرفان المتحاربان الى اتفاق لوقف الاقتتال؟ وقبل 4 أيام كتبت رشان أوشي، الصحفية القريبة من قيادة الجيش والمجلس السيادي، ما يفيد بأن حركة العدل والمساواة (جبريل إبراهيم) وحركة تحرير السودان (مناوي) طالبا ب72 مليون دولار و1500 سيارة دفع رباعي نظير المشاركة في القتال، مما يعني انهم يريدون ان “يفرزوا عيشهم” ولا يحاربوا تحت راية الجيش، وما يجعل الكتابة عن الحرب أكثر تنفيراً أن أقلاما كثيرة لها شنة ورنة صارت مأجورة تمارس التجهيل والتضليل لحساب من يدفع أكثر
الوطن كله الآن على فوهة بركان ينذر بانفجارات أكثر زلزلة وجلجلة، تواصل خلالها القيم والأخلاق الانهيار، الذي نرى ابسط تجلياته في اللغة المبتذلة المستخدمة لوصف وقائع الحرب فصار الموت “بل وجغم” والنهب شفشفة والخصم فلنقاي، وانقسم السودان الى جلّابة وغرّابة.
المجد للوطن، والعار والشنار لمن يعملون على تمزيقه، وانتهاك آدمية الانسان فيه. وللذين لم يكتشفوا إلا قبل شهور ان قوات الدعم السريع مليشيا قبلية عائلية، أذكرهم بما قاله فيها السيد الصادق المهدي قبل عشرة أعوام: “ليست لها عقيدة قتالية جامعة كالقوات النظامية، ولا تربطها إلا عصبية قبلية ومنفعة مالية، وتدريبهم وتأهيلهم وتكوينهم لا يُمكنهم من ممارسة القتال بالضوابط المعروفة”، فتم تقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى التي عقوبتها الاعدام