أكدت أن مليشيا الدعم السريع امتطت صهوتها.. دراسة بحثية تطالب بتفكيك الإدارة الأهلية بالسودان وتعتبرها من مخلفات الإستعمار
رصد: صوت السودان
في دراسة أجراها الباحث السوداني البروفيسوى علي عيسى
عبد الرحمن بمركز دراسات المستقبل ، أكد من خلالها أن الإدارة الأهلية في السودان تمثل أكبر مهدد أمني، ينذر بزوال السودان، ودعم حجته ببعض الشواهد والمعطيات التأريخية، داعيا إلى ضرورة تفكيكها فورا.
وأشارت الدراسة إلى أن الإصطفاف الحاد والإستقطاب بين القبائل إبان الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع.
وأوضح عيسى ان نظام مايو كان يعتبرها امتداد طبيعي للتربية الاستعمارية.
وأشارت الدراسة إلى ان “الدعم السريع” امتطت صهوة جواد القبلية الاعرج ،وإلى انحياز زعماء الإثنيات العربية وقبيلة الفلاتة بولاية جنوب دارفور إلى قوات الدعم السريع وفق بيان اصدره المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية بالولاية، وأضاف البروفيسور عيسى :وقع على البيان ناظر الرزيقات ونظار قبائل بني هلبة والترجم والهبانية والمسيرية والحوازمة والتعايشة.
طالع نص الدراسة كاملٱ:-
*🌻فككوا الإدارة الأهلية واطرحوا القبائلية أرضا يخل لكم وجه السودان 🌻*
🪸 *دراسات المستقبل* 🪸
*✍🏽بروفيسور على عيسى عبَد الرحمن*
الأربعاء 19يونيو 2024
اتضح وبما لا يدع مجالا للشك، أن الإدارة الأهلية في السودان هي أكبر مهدد لوجود السودان ووحدته وأمنه، وليس الأمر نتيجة للاصطفاف والاستقطاب الحاد الذي انتظم بين القبائل السودانية إبان الحرب التي تدور رحاها الآن بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ودور الإدارة الأهلية فيها، بل تمثل الإدارة الأهلية التهديد المستدام الذي يعيق تطور وازدهار السودان فهي تكرس التخلف وقد ساهمت في بناء جيل من الفاقد التربوي الذي أورد السودان الآن المهالك .
تاريخيا الإدارة الأهلية في السودان هي نمط من أنماط الحكم التقليدي، انتشر في بلاد السودان منذ عهود السلطنات القديمة كسلطنة الفونج والعبدلاب وممالك التنجر وتقلي والمسبعات، وأخيراً سلطنة دارفور وغيرها من مراكز السلطة في سودان وادي النيل، وتطور هذا النظام خلال التجربة التاريخية للحكم في السودان .
أضفى الاستعمار على الإدارة الأهلية قدسية ليجني من ورائها الجباية ويضمن انصياع الأتباع لينفذ عبرهم مشروعاته الاستعمارية
باستقلال السودان عن الاستعمار ومجئ ورثته من الوطنيين فقد ساروا على ذات النهج وبذات الأهداف .
ومن سخرية الأقدار كلما مر الوقت على الحكم الوطني، مدنيا كان أو عسكريا ازدادت الإدارات الأهلية تألقا لدى الحكام وأصبحت بؤرة استقطاب لا غنى عنها، فهي الموئل لصناديق الاقتراع
وهي الملاذ للحكام إذا اختاروا المقارعة والفتك بالخصوم .
الاستثناء الوحيد الذي حاد مؤقتا عن اتخاذ القبيلة حاضنة له هو حكم جعفر النميري، ولخلفيته الشيوعية، فقد سارع إلى إلغاء الإدارات الأهلية وقضى على سيطرة نظار القبائل على الأراضي، واستعاض عنها بقانون الحكم الشعبي المحلي لعام 1971. فقد كان نظام مايو يرى أن الإدارة الإهلية إنما هي «امتداداً طبيعياً للتربية الاستعمارية وطريقة متخلفة في الحكم فات أوانها»، حسب وصف الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم أحد أركان النظام المايوي، الذي تم عبره تنفيذ الأجندة الشيوعية التي ترى في الإدارة الأهلية مجموعة بؤر رجعية تعيق التقدم. فالإدارة الأهلية تقوم بأن يرث الإدارة الابن عن الأب عن الجد وحصر الأمر كله في البيت الواحد هذا يعني حرمان إلآخرين من السلطة فهي بذلك تستحق القتال أكثر من دولة 56 .
امتطت قوات الدعم السريع صهوة جواد القبائلية الأعرج في مسيرتها لجلب الديمقراطية (كما تدعي) فقوام هذه القوات قبائل عربية
ففي ولاية جنوب دارفور ، أعلن زعماء الإثنيات العربية وقبيلة “الفلاتة” بالولاية تحالفهم مع قوات “الدعم السريع” وفق بيان أصدره المكتب التنفيذي للإدارة الأهلية لقبائل جنوب دارفور، ووقع على البيان ناظر قبيلة “الرزيقات” التي ينتمي إليها قادة قوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، إضافة إلى نظار قبائل “بني هلبا” و”الترجم” و”الهبانية” و”المسيرية” والحوازمة و”التعايشة”،
وفي المقابل فقد أعلن رئيس مجلس الصحوة الثوري وزعيم عشيرة المحاميد -أكبر بطون قبيلة الزريقات- موسى هلال، انحيازه الكامل للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع.
وسبق زعيم عشيرة المحاميد بالانحياز للجيش، رئيس مجلس شورى قبيلة الزغاوة، وسلطان قبيلة المساليت، و”الفور” و”الداجو”.
وفي إقليم كردفان انقسمت قبيلة المسيرية، التي يعتبر أبناؤها المكون الثاني في قوات الدعم السريع بعد الزريقات، حيث وقف أبناء المسيرية “الزرق” مع “الدعم السريع “، بينما وقف “الحمر” مع الجيش السوداني، ويقاتل أبناؤها في الفرقة 22 بمدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، وصدوا موجات من الهجمات للسيطرة على المدينة.
وخلال الأشهر الماضية، أعلنت قيادات أغلب القبائل في شمال السودان وشرقه ووسطه مناصرتها للجيش، بجانب قبائل كبيرة في غرب السودان، أبرزها قبيلة حمر في ولاية غرب كردفان، التي شكلت قوة من 5 آلاف مقاتل لحماية مناطقها بالتنسيق مع الجيش.
تجاوز قطاع مؤثر من قبيلة النوبة في ولاية جنوب كردفان الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، التي تسيطر على بعض محليات الولاية، وقاتلوا إلى جانب الجيش في مواجهة الدعم السريع بمدينة الدلنج وحماية كادقلي عاصمة الولاية.
نجد أن قبائل السودان وفقا لهذا الواقع من الاصطفاف والاستقطاب فهي من تتحمل مسؤولية سفك الدماء وازهاق الأرواح بما تمثله من حاضنة شريرة لرفد العمليات القتالية .
صحيح نشط خلال الفترة السابقة جسم عقلاني جديد تحت مسمى “تنسيقية قبيلة الزريقات”، وتتشكل من نخب ومثقفي القبيلة التي ترى أن طموحات “حميدتي” وقوى خارجية دفعته لتنفيذ مشروع لا يعرف مآلاته، وأن القبيلة تدفع ثمنا غاليا ويتعرض أبناؤها إلى ما يشبه الإبادة، وتشوهت صورتها أمام الشعب السوداني بتحميلها مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع، لأن غالبية القوات وقيادتها تنتمي للقبيلة.
على الرغم من حسن نوايا تنسيقية الرزيقات والندم على ما فات ولكن هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟
كتب البروفيسور عبد الله على ابراهيم عن
محمد أحمد محجوب في كتابه (الحكومة المحلية في السودان 1945) وعدد صفحاته أكثر من مائتي وعشرين صفحة من الحجم المتوسط يقول المحجوب “إن نظام القبيلة لا يصلح أن يكون وحدة لنظام الحكومة المحلية أو أي نظام حكم. وهنالك عيب آخر لهذا النظام أنه لا يعطي الكفايات والمؤهلات الفردية فرصة الظهور لخدمة المجموعة لأنه ليس من المحتمل دائماً أن يكون رئيس القبيلة الكبيرة أقدر أفرادها على الاضطلاع بشؤون الحكم.
وسيئة أخرى لهذا النظام قانون الحكم الوراثي الذي يكاد يجعل حكم المقاطعات حكم ملكية لاحكماً ديمقراطياً ينال فيه ابن الزعيم وابن الرجل العادي حق الظهور وفرصة الحكم، بقدر ما يبديه الواحد فيهم من كفاية ومقدرة. هذا النظام يخلق في البلاد (أرستقراطية) لم تعرفها من قبل. وزعامة العشائر في الماضي كان يتمتع بها القوي الأمين المحبوب من الرجال، ولا يتحتم أن يتمتع بها ابنه من بعده أو أحد أقاربه).
هذه هي عيوب الإدارة الأهلية كما يراها جيل ماقبل الاستقلال وهذا ما قاله المحجوب قبل ثمانية عقود من الزمن فهل ثمة مبرر من استمرار الإدارة الأهلية؟ وهي سبب الأذى الذي يتعرض له السودان بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
انغمست الإدارة الأهلية في العمل السياسي بصورة أو أخرى وظهرت بصورة صارخة إبان الفترة الانتقالية في حكم حمدوك وأصبحت تلعب دوراً مخالفاً تماماً لدورها الطبيعي، فبدلاً من أن تكرس جهدها في إنجاز مهامها المجتمعية ولملمة النسيج المجتمعي على المستوى القاعدي، أصبحت بؤرا للخلافات السياسية مما ينذر بتشظي المجتمعات المحلية، ما يعد أمراً خطراً يعمق الأزمة وفي ظل الإدارة الأهلية فقد أصبحت القيادة السياسية الرسمية جزءا من هذا الصراع.
لم تكتف الإدارة الأهلية بلعب الدور السياسي مضافا إلى وظيفتها الاجتماعية، بل
انتقلت الإدارة الأهلية بعد اندلاع الحرب بين الدعم السريع والقوات المسلحة إلى الوظيفة العسكرية من تعبئة وحشد منتسبيها لحمل السلاح ومواجهة الخصوم، وهل من مهدد أمني أخطر من هذا السلوك للإدارة الأهلية.
هل ننظر إلى الإدارة الأهلية وهي توردنا المهالك أم نتصدى لها؟ وذلك عبر القانون الذي يجرم تسخيرها في الشر وعبر التوعية الإعلامية التي تجرم سلوكها غير المنضبط وعبر نشر التعليم الذي يهدم الأسس التي قامت عليها الإدارة الأهلية .
وحتى يتم التحكم في طموحات الإدارة الأهلية والحد من نفوذها المتنامي المضر ، لابد من القيام بإجراءات عملية متدرجة من شأنها أن تنتهي بالإدارة الأهلية إلى مجرد لجان شعبية وفي أحسن أحوالها لجان مقاومة تحكمها قوانين ولا بأس بانتخاب عمد وفق لوائح وشروط تتحكم في أدائهم وتوجههم ( عمدة لندن، عمدة باريس) .
لابد من تغيير في بنية وهياكل وأدوار الإدارة الأهلية، لا سيما بعد أن أهملت دورها الرئيس في حل النزاعات القبائلية المتنامية والقضايا الاجتماعية الملحة وتحولت إلى مطايا الفتن وإشعال الحروب.