عادل الباز: الخروج من نفق العسكر
أعلن الجيش رغبته في الانسحاب من السلطة حال توافق المدنيين على تشكيل حكومة. السؤال هل يحل هذا الانسحاب – إذا حدث – أزمة الحكم في البلاد؟. ما أظن.. إذ ظل الجيش ينسحب إلى الثكنات طوعاً أو كرهاً من السلطة (85/64) ولكنه مايلبث أن يعود مرة أخرى بدعوة من حزب ما إلى السلطة (89/69).!!.
هل هناك أي ضمانات ألا يعود الجيش مجدداً للاستيلاء على الحكم تحت راية من الرايات، وإذا كانت لا توجد ضمانات فما جدوى انسحابه الآن.؟.
ماذا تغير حتى يجري الرهان على ضمان التزام الجيش ثكناته في المستقبل؟. القوى السياسية هى نفسها كما كانت في الستينيات والثمانينيات لم تتغير، نفس عقليتها الانتهازية وعبثها وتكتيكاتها السياسية البائسة قصيرة النظر. إذن ليس هناك من شيء يعصم الساحة السياسية من تدخل العسكر مرة رابعة وخامسة..
2
خرافة أن العسكر سيخضعون لحكم حكومة مدنية لن تحدث على أيامنا هذه وفي ظل ظروفنا حالياً. يمكن لدعاة الدولة المدنية أن يستمتعوا بهذه الأحلام التي تراودهم ولكن عليهم أن يقرأوا التاريخ ليدركوا أن صراع المدنية مع العسكر (القوة والشرعية) ليس نزهةً، بل استغرق أجيالاً في ديمقراطيات عريقة ولا يزال الجدل في الفكر السياسي الحديث مستعراً حول كيفية خضوع العسكر للحكم المدني. للدكتور عبد الوهاب الأفندي مساهمة فكرية رائعة فى هذا الجدل في ورقته الموسومة (بين عسكرة السياسة وتمدين العسكر.) التي نشرها في كتابه الصادر حديثاً (عن المثقف الإسلامي والأمراض العربية/ تأملات في المحنة العربية المعاصرة). أورد الافندي ما كتبته ريبيكا شيف حول (نظرية التوافق concordance theory) التي تقترح فيها شيف عدم الإصرار على هيمنة المدنيين على الجيش داعية للبحث عن توافق ثلاثي، أطرافه / النخبة المدنية /النخبة العسكرية/ والمواطنون / لحسم مسألة تدخلات الجيش في الشأن السياسي المدني). سنعود لذلك الجدل بالتفصيل من خلال استعراضنا لكتاب الأفندي الذي هو جدير بالقراءة.
3
بعد إعلان الجيش رغبته في العودة إلى الثكنات، تبحث أطراف عديدة الآن عن تدابير الخروج من نفق العسكر، لكن تلك الأطراف في بحثها عن سكة الخروج تتقاطع مصالحها وتشتد صراعاتها وتتباين تكتيكاتها. فمثلاً هناك من يدعو لخروج العسكر بتسليم السلطة مباشرة للمدنيين (جماعة 4 طويلة) والتي تسعى لتستلم هي دون غيرها السلطة لتفعل بها ما تشاء.
(تحالف التغيير الجذري) الذي يقوده الحزب الشيوعي يدعو لخروج غير آمن للعسكر من السلطة وتسليمها له باعتباره التحالف الثوري صاحب السهم الأعلى في الثورة. (الفول فولي/ الدجاجة الصغيرة الحمراء/ بتعبير وراق).
جماعة التوافق الوطني وأطراف اتفاقية جوبا يدعون لخروج العسكر عبر بوابة الانتخابات.
العسكر يعلنون أنهم مستعدين للخروج عبر بوابة ما أسموه توافق القوى المدنية والانتخابات.
المجتمع الدولي المداهن للمدنيين لا يعرف بوابة لخروجهم. محتار إذ يعلن أنه لا يرغب في بقاء العسكر في السلطة فى ذات الوقت لا يمنح دعمه للانتخابات ويدعو إلى حكومة مدنية “ذات مصداقية” لا يعرف كيف ينتجها. دعا المجتمع الدولي للحوار بين المدنيين والعسكر فلما انسحب العسكر من حوار روتانا أسقط فى يده وصمت السيد فولكر وأخيراً دعت الترويكا لحوار شامل متجاوزة أطروحات 4 طويلة.
4
عجزُ المدنيين عن الاتفاق على طريقةٍ وسكةٍ لخروج العسكر – إذ يؤشر كل واحد منهم على اتجاه يتقاطع مع الآخرين – هو سبب الهيصة التي نخوضها الآن دون أن يلوح في الأفق أي نجم لموح يدلنا إلى أين المسير.