الكتاب

نبض للوطن.. أحمد يوسف التاي: الحبل السري الذي غذى الإنتهاكات

خاص - صوت السودان

(1)

قبل الحرب ببضعة أشهر كانت هناك سيولٌ من التسجيلات العنصرية تغزو الفضاء والأسافير تتداولها مواقع التواصل الإجتماعي بنهم..

تسجيلات تمعن في الكراهية تتوعد أهل الشمال، وأخرى تهدد قبائل بعينها، وثالثة تلعن من تسميهم النخبة النيلية، ورابعة تصوِّب حقدها الدفين على من تطلق عليهم “الجلابة” وتارة الشريط النيلي، وكل هؤلاء كانوا يختزلونهم في عبارة (ناس الخرطوم)، فأصبحت فوهات الحقد الأعمى كلها مصوبة بدقة نحو (ناس الخرطوم) ذلك المصطلح الذي يشمل “الجلابة” الشماليين ،النخبة النيلية ، الشريط النيلي وكل ذلك الشحن والتعبئة ضد هذه الفئة بفعل الخطاب العنصري …خطاب الكراهية الذي اصطلت به الخرطوم قبل أن تحترق به الجنينة والجزيرة والفاشر حالياً..

(2)

حتى إذا بلغ خطاب الكراهية الذروة وبلغ منتهاه رأيت أحد النُظار يهدد باجتياح الخرطوم في “خمسة دقائق” ، وآخر من علية القوم وكان يومها يتحدث من قمة من إحدى قمم السلطة يصف اهل الخرطوم بالملعونين الشياطين ويقول ليس هناك من هو ألعن منهم، وثالث يقول: “الخرطوم دي حقت أبو منو”

كل تلك المواقف التي عبّر عنها مسؤولون وقادة عسكريون وقادة شعبيون قد اتسقت بشكل كبير مع سيول التسجيلات العنصرية التي شكلت خطاب الكراهية الذي صُعِق به (ناس الخرطوم) قبل ان يجتاح الحقد الأعمى ولايتهم ويدمرها تدميرا.

(3)

الدعم السريع” منذ الطلقة الأولى لم تعجز عن ضبط قواتها وانصارها ومنتسبيها وحسب بل أطلقت أيديهم وتركت لهم الحبل على الغارب ليعيثوا في الأرض فسادا ويهلكون الحرث والنسل وينشرون في الأرض الفساد، فكأنما كانت تكافِئهم على وقوفهم في صفها..

(4)

تمددت حرب ابريل العنصرية القذرة لتفرغ كل الأحقاد ولتُترجم خطاب الكراهية في أقذر وأقبح صوره ولتُجسد التسجيلات العنصرية التي سبقت الحرب وهيأت لها متكأ وآتت كل مسكون بالحقد والكراهية نصلاً مسموماً ليغرسه غدراً في صدر أخيه المسالم الذي

عرِف يوما الغدر ولا اهتدى إلى العنف سبيلا.

(5)

سيول التسجيلات العنصرية التي تهدد وتتوعد اهل (الشمال الجلابة) والتي شكلت أهم عناصر ثقافة خطاب الكراهية، كانت بمثابة مقبلات الحرب ومحفزاتها، وهي التي أعدت مسرح الخراب والتدمير والإنتهاكات والنهب والتهجير

وقد كان خطاب الكراهية فاعلا في كل ذلك، وكان وراءَ كلِّ أعراضٍ اُنتهكت وأملاكٍ سُلبت، فقد غذى خطاب الكراهية نفوس الكثيرين بالأحقاد وشحن نفوسهم بالغل فجعلهم على استعداد لتفريغ كل هذه الشحنات الحاقدة في أبرياء ما نقموا إلا أنهم مسالمون في وطن يتنازعه العنف…

ومع ذلك نقول أن أسهل المعالجات هو إصلاح المباني المدمرة واسترجاع مؤسسات الدولة واستعادت المنهوبات ومعاقبة المجرمين، ولكن التحدي الأكبر في سودان مابعد الحرب هو كيفية معالجة تلك الأمراض الإجتماعية من غلٍ سقيمٍ وحقدٍ أعمى، فذلك هو التحدي وتلك هي معركة إعادة البناء..ألم أقل أن القضية أكبر من هؤلاء الذين يمسكون بخطام راحلة الوطن…

اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع التي تحبُ أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى