الصراع على الذهب :
في فبراير 2016 ذهبت لإمارة دبي لزيارة تستمر لثلاثة أيام فقط وكان معي في الطائرة أحد أبناء بلادي الذين تعرّفت عليهم قبل الرحلة بيوم في وكالة السفر تناولنا الحديث في صالة المغادره وكحال السودانيين في أسئلتهم الطبيعية من أي منطقة وأين تعمل وهكذا أسئلة ، تحدثنا قليلاً ثم ذهبنا إلى الطائرة والإجراءات الروتينية في التفتيش وشحن الحقائب ، ما إستوقفني أنه صعد للطائرة ولا يحمل حقيبة ألبته ، وأثناء التحليق أخبرني أنه يأتي لدبي في الشهر حوالي أربعة مرات أو ثلاث ثم أضاف بقوله لي : دخلت الطائرة وأحمل معي 150ألف درهم كان يُخفيها داخل ملابسه الداخلية كما أخبرني لاحقاً وعند الهبوط وخروجنا من المطار قام بإخراجها ؛ ليس هذا فحسب هذا الرجل كان يُعطي صاحبة وكالة بالسوق العربي كيلو ذهب كاملاً يتنوع ما بين ( حلق وسلاسل وغوائش ) هذا ما رأيته بعيني ثم قامت بتسليمه له ونحن جلوس صبيحة اليوم الثاني من وصولنا ، أخبرته أنها تضعه أيضاً في أماكن حسّاسة من جسدها ، ذهبت معه لبورصة دبي للذهب وقام بتسليمه لصاحب محال كبير ؛ هذا الرجل يُكرر فعلته كما أخبرني وهذا هو عمله .
بدأ تدمير الإقتصاد عندما تم مهاجمة الذهب السوداني عبر شركات وجماعات ونافذين ومُهربين وعملاء ونظاميين فتحوا لهم المنافذ فأصبح مطار الخرطوم مكاناً آمناً لتحقيق الأرباح الضخمة على حساب الوطن كان يتم كل ذلك تحت سمع وبصر حكومة البشير وحكومة الثورة وحتى آخر رحلة توجهت للإمارات أيضاً بعلمها .
في خواتيم أكتوبر 2019 ذهبت إلى مدينة مومباي الهندية قابلت عدد من السودانيات يأتين من الخرطوم ويحملن الذهب بكميات ليست بالقليلة وأذكر جيداً أثناء دخولي في المطار وجدت بعض السودانيات تم إيقافهن من شُرطة جمارك المطار بسبب الذهب ؛ فألذي سمح للنساء بحمل كيلو جرام ذهب أيضاً سمح لغيرهم بتهريب المئات بل الأطنان عبر المطار الرسمي ولقد تم توثيق ذلك وضبط خونة داخل مطار الخرطوم حينها .
إنتاج السودان للذهب الأرقام والإحتياطي :
أهمية الذهب في هذا الزمان كبيرة لما لا وهي مورد إقتصادي يُعزز خزينة الدولة بالعملة الصعبة ويساهم في إستقرار العملة المحلية حيث يُنتج السودان أطناناً من الذهب ومع ذلك تنهار عملته الأمر الذي فتح الباب واسعاً للتساؤلات أين يذهب ما ينتجه السودان وكم يبلغ الإحتياطي ؟ وليكون حديثنا دقيقاً نكتب بلغة الأرقام ” يحتل السودان المركز الثالث عشر عالمياً والثالث إفريقيا في إنتاج الذهب حيث ينتج نحو 80 طنا فيما تقدر الاحتياطيات غير المستغلة بنحو 1550 طناً ، ويمثّل الذهب نصف صادرات السودان عِلماً بأنَّ نسبة الذهب المُهرّب تبلغ حوالي 80% من الإنتاج . ولطالما تم الحديث عن هذه الثروة وكيف يتم تهريبها بشكل كبير إلى خارج السودان في الوقت الذي تحاول فيه الحكومات المتعاقبة زيادة إيراداتها من الذهب عبر تشجيع الإستثمارات وتوفير البنية التحتية اللازمة لاستغلاله ووضعه تحت مظلة الإيرادات العامة للدولة وهو ما تفقده الحكومة السودانية عَمداً أو تساهُلاً .
مطامع دولية ودوراً في تغذية القوات المتمرده :
هل من دور للذهب في الأزمة السودانيه ؟ تقول تقارير غربية إنَّ الذهب يلعب دوراً في الصراع الحالي على السلطة حيث إنه مصدر مليشيا الدعم السريع المتمردة كما أنه مطمع لقوى إقليمية ودولية بقيادة الإمارات التي يذهب لها الذهب وبدورها تُرسل الأسلحة والمعدات الحربية لقوات دقلو الإرهابيه .
أكد تقرير الأمم المتحدة على وجود شبكات مالية معقدة أسستها مليشيا الدعم السريع قبل وأثناء الحرب مكّنتها من الحصول على الأسلحة ودفع الرواتب وتمويل الحملات الإعلامية والضغط وشراء دعم الجماعات السياسية والمسلحة الأخرى ؛ وقال مراقبو الأمم المتحدة في التقرير إن مليشيا الدعم السريع استخدمت عائدات من أعمالها في مجال الذهب قبل الحرب لإنشاء شبكة تضم ما يصل إلى (50) شركة في العديد من الصناعات .
وفي الإتجاه ذاته إتهم الإتحاد الأوروبي قوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو حميدتي بإستخدام صادرات الذهب في السودان عبر شركة «الجنيد» مملوكة لعائلة دقلو لتأمين الدعم العسكري من دولة الإمارات العربية المتحدة وقال إن ذلك يتم عبر تهريب معظم إنتاج السودان من الذهب إليها ومن مجموعة فاغنر وتستخدم عائداتها لتوفير الأسلحة التي تستخدمها قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش والشعب .
التحقيق مع موظفين روس :
خضع 36 روسياً قبل عام ونصف تقريباً كانوا من بين 58 موظفاً تم إستجوابهم بشأن إتهامات بالتهريب وتقويض الإقتصاد السوداني ، حيث تم إعتقال مدير أمن شركة الصولج وأُتُهِمَ بحمل 5 كيلوغرامات من الذهب بصورة غير مشروعة بحسب المحامية هويدا مرسال المستشاره القانونية للشركه .
غياب الرقابه الحكومية أم تساهل في التهريب ؟
تتحمل الحكومة السودانية والحكومات السابقة في إهدار مورد مهم كفيل جداً بعمل توازن إقتصادي يساهم في توفير النقد الأجنبي ويصنع التنمية المستدامة ؛ والناظر لعملية التهريب الكبيرة تجدها تكمن في تساهل الحكومة نفسها أو بصورة أُخرى عدم ممانعتها لتهريب الذهب وإلاّ لقامت بدورها الكامل في ضبط الشركات وإشرافها بنفسها على عملية التصدير أو عبر شركات حكومية .
مَن المستفيد من تهريب الذهب السوداني للإمارات ؟
يظل التمرد هو المستفيد الأول من تهريب الذهب لدعم مصالحه وتوفير معينات الحرب ، فإلإمارات التي تُقدّم الأسلحة الحربية مستفيدة من الذهب السوداني الذي أصبح وقوداً تغذّي به المليشيات كلما تم ضرب الشحنات جاءت بأُخرى ، فألأمر ليس بغريب لوجود مسؤولين يُدينون للتمرد ويُنفّذون خُططه في خنق البلاد إقتصادياً و تهريب الذهب إحدى الممارسات التي يقودها الذين باعوا ذِممهم وأخلاقهم ، تُساعدهم الحكومة الإتحادية بعدم المراقبة والمتابعة وتطبيق القوانين الصارمة الأمر الذي سهّل من عملية تهريب80% من مجمل الإنتاج المحلي .
إنتاج الذهب وتصديره بالطُرق القانونية كفيل بإحداث تغيير إقتصادي للبلاد بين ليلة وضُحاها ، فهل ستردع الحكومة مافية تهريب الذهب أم ستدعهم يلعبون بالإقتصاد مثلما تسامح بنك السودان مع الشركات التي لم تورّد حصائل الصادر ؟.