بالأمس وقفنا على ظاهرة (المديح) من أجل تحقيق منفعة ذاتية تاريخاً
وقُلنا إنه ليس حِكراً على أهل السودان وأوردنا نماذج (لتكسِّير) الثلج من الأدب العربي والتُراث الشعبي السوداني وتسآءلنا في الختام إن كان بإمكان أي شخص أن يكون بارعاً في (تكسِّير) الثلج أم أنه يحتاج لمهارة خاصة أم له أدوات و (عِدّة شُغُل) يلزم توفرها .
اليوم سنتطرق لأُسس ومُوجهات (تكسِّير التلج)
حقيقة …..
أجريتُ البارحه عِدة إتصالات مع كبار (المُكسِّراتية) أستهدي بآرائهم و أنقل خبراتهم حتى تعم الفائدة لأبنائنا صغار المُكسارتية .
تقريباً جميع من تواصلت معهم …
لم يُفصلوا كثيراً بين هذه (المهنة) والسمّسرة فكلهم أجمع على أنها تحتاج ل(حنك) وهِندام !
ومن رفض منهم الحديث معي
إكتفى بجملة
(والله يا أستاذنا الحكاية دي توفيق من ربنا)
رافضاً الإفصاح عن أسرار هذه الصِنْعة
ولكن ما خرجتُ به إنطباع من هذه (النقابة) الخطيرة هو ….
أولاً
علي المُكسِّر …
عدم المُبالغة في الإطراء وتفادي النظر في عيني (الممدُوح) بإعتبار أن ما تقوله هو حقٌ مُستحقٌ في حقه وأنت لم تقُم إلا بالواجب
ثانياً ….
المُفردات تختلف حسب حال (المُكسّر) له بمعنى …!
عندما تُكسِّر تلج لرجل أعمال مثلاً فهنا المُفردات يجب أن تكون (من النوع أبو كديس) من حيث الفخامة
غير عندما تُكسِّر لصديقك أو لمُعلمك أو عندما تبذل (تحنيكه) بسيطة لعمتك (دار الجلال) لا ترجو من ورائها أكثر من (طرادة) وهي الخمسة وعشرين قرش مثلاً
ثالثاً ….
أجمعوا على أهمية عدم التبسُم وأنت تُكسِّر لأن ذلك سيُضعف من مفعول (التلجة) وأكدوا لي أنه كلما كان التلج مدروش بنعومة كان أبلغ تأثيراً في الممدوح والعكس إن كان خشناً لذا يحذرون من المبالغة في الإطراء
رابعاً
ما أدهشني هو أن ٧٠٪ من الذين إستطلعتهم أجمعوا على أفضلية لبس (النظارة) أثناء أداء المُهمة
لانها لا تُتيح للممدوح فرصة لقراءة لغة عينيك وأنت (تكسٌّر) وهذا (برأيهم) من مُثبتات (التلجة)
خامساً ..
(تكسِّير التلج) أمام العامة لا يصلُح في كل الأحوال فلربما هُناك ممدوح لا يُحبذ ذلك أمام الناس لذا رأوا أن يُترك ذلك لتقدير (المُكسِّر) حسب الحالة التي يباشرها
سادساً …
أجمعوا على أن أخطر أنواع (الدرِش) هو ما يتم للرؤساء والوزراء وكبار المسؤولين وهذا رغم أن عائده المادي مُجزٍ و سريع
ولكنه مُكلِّف في ذات الوقت و يحتاج (لعِدة شُغل) باهضة الثمن كالملابس (الفُل سُوت) والنظارات والشنط وحبذا لو كان (لماركات العالمية) والوجاهة (الجسمانية) تُساعد كثيراً
وأشاروا في ذلك الى ال (In come) العالي
الذي حققه هذا الصنف من (المُكسراتية) على عهد حكومة الإنقاذ من مكاسب وبيوت وعربات
سابعاً ….
براعة التكسير هي موهبة ولا علاقة لها بمستوى التعليم وإن ذهب بعضهم الى أن فئة الشُعراء والكُتّاب والصحفيين هم الأعلى قدحاً في هذا الجانب وبرروا لذلك أن بعضهم شُوهد وهو يجلس مباشرة خلف الرئيس البشير بالطائرة وعدوا ذلك مُنتهى النجاح والتسلق الذي تجاوز (التكسِّير) بمراحل
ثامناً …
و(لأمانة النقل) ….
فإن بعضهم إستنكر المُبالغة في المديح وأكد لي أكثر من مُستطلع على ضرورة
(وزنة الكسرة) مُشيرين في ذلك الى القصيدة المشهورة للشاعر الشاب
الذي إمتدح الرئيس البشير
(فك الله أسره) وعافاه
و إعتبروها من أبدع و أنجح عمليات (التكسِّير) التي شهدها التاريخ الحديث وإن إختلفوا معها في
(مُبالغة الوصف) أو كما وصفها أحدهم ب (لوح التلج) مستنكراً إياها
نحبك حضارة
وشطارة وقيافة ولطافة وظرافة
وحنكة و صديري
وسبحة وجِبّة وعُمامة و زعامة
وقدلة وبدلة
وكاكي وقميص
وأحب الحكومة
وأموت في الرئيس
فهل علمت عزيزي القارئ أن
(الحكاية ما فوضى ساكت) ؟
وغير ما جرت العادة سأرفق مع هذا المقال مقطع (فيديو) قصير يجسد فيه الأستاذ المُبدع والممثل والكوميدي الطيب الشعراوي
دور (مُكسر تلج) داخل الحِلّة .
الأحد ١٢/مايو ٢٠٢٤م