(1)
عندما يتناهى إلى علمي أن حزباً أو مجموعة من الناس، وفي غمرة صراعاتها الداخلية عقدت اجتماعاً مع سفير دولة أجنبية داخل الغرف المغلقة ، أو أن مسؤولاً حكومياً غادر البلاد خلسةً إلى دولة مشبوهة مثل إسرائيل أو نحوها ، أو أن شخصية سياسية التقت مسؤولين غربيين بعيداً عن الأنظار، يجول في خاطري شريط طويل من ذكريات الخيانة التي كانت سبباً رئيساً في نهاية دول كانت ملء السمع والبصر، مثل دولة الخلافة العباسية في بغداد، وبلاد الأندلس، وقبلهما سقوط القدس في أيدي الصليبيين بعد أن حررها صلاح الدين الأيوبي، وكذلك مملكة ليون التي تسببت الخيانة أيضاُ في تساقط مدنها وقلاعها بواسطة العرب المسلمين عندما استنجد بهم (الفرنجة) للتغلب على صراعاتهم الداخلية..
(2)
السيناريو الذي ظل يتكرر منذ مئات السنين ، في إنهيار الدول وتمزيقها ووضع حدٍ فاصلٍ لنهاياتها يبدأ دائماً بالخلافات الداخلية، والصراع المرير على كراسي الحكم والمواقع والمناصب، وإقصاء الطرف الأقوى لنظيره الأضعف، لتأتي محاولة الأخير الاستقواء بالأجنبي والاستنصار به، ومحاولة الطرف الأقوى المغتصب للملك تثبيت أركان عرشه بتقديم التنازلات للأجنبي بغية الحماية وتثبيت السلطة المغتصبة، وفي الحالين يضيع الوطن ويكسب الأجنبي الذي يلتقي الطرفين ويستخدمهما لخدمة أجنداته الشريرة..والنتيجة الحتمية هو ضياع الوطن بالحروبات والنزاعات وأوجاعها وحصادها المُر…
(3)
روتْ لنا كتب التأريخ كيف ضاعت القدس من الأمراء أحفاد صلاح الدين، بعد جهاده النضيف فيها، وذلك عندما اشتعل الصراع بين الإخوة فلجأ بعضهم للتحالف مع الصليبيين وطلب النصرة منهم بعد التنازل عن القدس مقابل استبقائه على العرش وحمايته من خصومه ابناء العمومة والجلدة، وكيف أن الوزير شاور السعدي استنصر من قبل بالصليبيين لاستعادة منصبه قبل أن يُقتل نتيجة خيانته..
(4)
وفي دولة الخلافة العباسية كان وزير الدولة إبن العلقم رمزاً للخيانة وهو يضع يده مع المغول بقيادة هولاكو انتقاماً لإثنيته وعشيرته واستنصاراً بالأجنبي، وهكذا ساهم في وضع حدٍ لنهاية أكبر دولة استمرت أكثر من خمسة قرون.
(5)
انهارت مملكة ليون (فرنسا) عندما تسابق أمراؤها للإستقواء بالعرب المسلمين في الاندلس والاستنصار بهم لحسم صراعاتهم الداخلية، فدعموا بعضهم ضد البعض بالمال والسلاح والرجال، فخبروا دروب مملكتهم ونقاط ضعفها حتى انقضوا عليها فتساقطت قلاعها ومدنها الواحدة تلو الاخرى..
(6)
وبدأ سقوط الاندلس عندما لهث ملوك الطوائف وراء دعم (الفونسو) ملك ليون والاستنصار به، إما لاستعادة سلطة أو لحسم صراع داخلي، أو لحماية مُلكٍ تهدده الصراعات الداخلية، والتأريخ نفسه يذكر القائد ابو غالب الناصري الذي هزم (الفرنجة) في عدة مواقع، وفي خاتمة أيامه استنصر بذات الفرنجة ولجأ إليهم للإستقواء بهم ضد الوزير محمد بن عامر ، وبلغ الأمر ذروته في عهد ابو عبدالله الصغير في صراعه مع عمه حول العرش، وكلاهما استنصر بملك ليون (الفونسو)، فكانت نهاية الاندلس بعد (8) قرون الحكم..
(7)
تلك كانت سنن الكون، ونهاية الاستقواء بالأجنبي لحماية السلطة أو استعادتها او ضرب الخصوم، فهل سيكون سودان اليوم استثناءاً..؟؟؟
(8)
التأريخ القريب حدثنا عن إنشقاق احد مساعدي هتلر في الحرب العالمية الثانية، ولجوئه إلى بريطانيا التي بالغت في الإحتفاء به ولم يلبث إلا قليلاً حتى طلبت منه مخابراتها معلومات في غاية الخطورة فرفض
وقال قولةً مشهورةً (انفصلتُ عن هتلر ولا انفصل عن المانيا)
فتم اعدامه وهو يضحك قائلا:( للأوطان حرمة لا يبيعها إلا الأندال).. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.