(1)
أسوأ وأبشع أنواع الحروب هي ما اصطلح على تسميتها “حرب الإبادة الجماعية“، و”حرب الدمار الشامل اللتين ترتبطان بمصطلح سياسة الأرض المحروقة.. وكذا “حرب التطهير العرقي”
وهذه كلها يطلق عليها الحرب القذرة لبعدها عن أخلاق الحرب التي تراعي وتحافظ على المدنيين والمنشآت العامة، ومؤسسات الدولة، ولعل قذارتها تكمن أيضاً في ارتباطها بكل الموبقات والسوءات ، وأسوأ أنواع الإنتهاكات ، وهتك الأعراض واستهداف المدنيين بشتى ضروب الإستهداف من ترويع وسلب ونهب واختطاف واسترقاق وإذلال وتشريد وتقتيل…
(2)
إذا اسقطنا كل ذلك على الحرب التي جرت بالسودان في إبريل 2023، يمكن القول بأن حرب ابريل أخذت من كل سوءات الحروب وأنواعها قسطاً على نحو يجعلها الأتفه والأقذر ، وذلك لأنها جمعت وأوعت من قاذورات وموبقات وممارسات يندي لها الجبين ، ولذلك
فهي حرب تافهة الأسباب، غارقة في القذارة، تقتات من حميم الحقد الطبقي، وتغذيها الأمراض الإجتماعية والمرارات، والعُقد النفسية، وتحركها العنصرية والكراهية، ودوافع الإنتقام القائم على الأوهام..أو هكذا بدت الصورة بعد إنزلاقها من معترك الصراع السياسي السلطوي إلى الحاجة لإفراغ شحنات الأحقاد المتراكمة على فئة من المواطنين العزل الذين كانوا لايزالون ضحايا لهم من التقتيل والتشريد والنهب والانتهاكات.
فالمتأمل في هذه الحرب يدرك إختلافها عن كل الحروب من حيث الأهداف والنتائج والطبيعة وبأخذها من كل سوءات الحروب وبعدها عن الأخلاق، وهل تخلو الحرب من أخلاق وضوابط وقواعد..
(3)
فإن قلتَ إنها حربٌ عنصرية أوجهوية، فقد صدقتَ أيها المتأمل، فقد كانت في بعض جوانبها كذلك ، إذ استهدفت عناصر محددة، وجهات أكثرتحديداً إما بالقتل والتنكيل، أو بالنهب والسلب والإستنزاف والإفقار أوانتهاك الأعراض وامتهان الكرامة والإذلال والاسترقاق..
(4)
وإن قلتَ إنها حرب إبادة جماعية أوعرقية، فلستَ مغالياً صديقي القاريء فيما ذهبتَ إليه بل هي كذلك في أوجه عديدة، فقد شهدتْ مسارح الأحداث في بعض المناطق قتلاً جماعياً، ودفن الضحايا أحياء على نحو جماعي..
(5)
وإن ذهب تفكيرك إلى إنها حرب يحركها الحقد الطبقي الأعمى فأنت أيضاً على حق ولستَ بعيداً تماماً عن الحقيقة، فقد كان الأغنياء وأصحاب الأملاك هدفاً لايضاهيه هدف ولاتخطئه سهام، فقد أوسعوهم نهباً وسلباً وسرقة حد الإفقار، وانتهاكاً للأعراض وهتكاً للشرف على مختلف ألوانهم السياسية، فلم يكن استثناء لأحد..
(6)
وإن رأيتَ إنها حرب ضد المواطن السوداني فأنت على الصواب دون شك، فقد بدأت باستهداف منازل المواطنين وطردهم منها وإفراغ كل مافيها بالنهب والسرقة ابتداءً بالمقتنيات الثمينة وانتهاءً بملعقة الشاي للدلالة على أنها حرب تافهة وأهدافها أتفه مماكنا نتصور..
فقد شردت المواطنين من الخرطوم ومن دارفور، إلى مدني، ومن مدني تارة أخرى إلى شرق البلاد وإلى خارج السودان، ومازال الحبل على الجرار فضلا عن كونها ضاعفت معاناة الناس أضعافاً مضاعفة..
(7)
وإن قلتَ إنها حرب ضد الوطن، فأنت على الصواب وقد أصبتَ الحقيقة بعينها وهل من دليل أكثر مما حدث من تدمير فظيع للبنيات التحتية، وتخريب لمؤسسات الدولة العملاقة التي انفقت عليها البلاد حصاد عمرها المديد،وموارد عزيزة، وقروض أجنبية مثقلة بفوائد الديون المتراكمة…
(8)
أما الوجه الأكثر قبحاً في هذه الحرب انها تستهدف مناطق تجمع المدنيين الآمنين بحثاً عن مدخراتهم وأموالهم، ولم تسلم منها حتى أقراص الآذان والمعاصم .. وما يجعل أمر هذه الحرب غصة في الحلوق، وغيظاً في القلوب،وزخائم في النفوس، ومرارة في الألسن، فإن كيد القوات المعتدية وكل أحقادها وغيظها قد أفرغته في المواطنين العزل..وما جعل الصورة أكثر جلاء فإن هذه كل المناطق المستهدفة كانت لحظة الهجوم عليها خالية تماماً من أي قوات مقاتلة، ومع ذلك فقد كانت تلك المناطق هدفاً للهجوم والنهب والسلب وانتهاك الحرمات والإذلال وإهانة المواطن.. فقد أمعنت في مهاجمة المواطنين داخل قراهم ومنازلهم وغرف نومهم ومراكز إيواء النازحين منهم ونهبت حتى (الآبري) في مشهد يرسم التفاهة والقذارة بريشة فنانبكل التفاصيل .
نواصل..
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.