سهير عبدالرحيم تغرد

سهير عبدالرحيم تغرِّد.. إلى صديقي البريطاني الأمير تشارلز 2

كنت قد توقفت معك عند اقتلاع ثورة أكتوبر للفريق إبراهيم عبود. و بحسب الأرباب؛ المتخصص في العلوم السياسية، فإنها لم تكن ثورة بل كانت انتفاضة لأنها لم تحقق شروط الثورة مثل الأيدولوجيا ideology .. والعنف violence . حققت شرطين؛ المشاركة الجماهيرية mass participation و نظام الحكم الفاسد corrupt regime

و بغض النظر عما إذا كانت ثورة أو انتفاضة فقد كانت الأرض تهتز تحت الجنرال عبود ، بيعه حلفا للفراعنة الجدد ثم مشكلة الجنوب التي كانت حاضرة بسبب الأسلمة والتعريب و ليس آخرها إغلاق الكنائس والجمعيات التبشيرية و بناء المساجد قسراً.

حاول عبود إطفاء تلك النيران وتثبيت قدميه بتشكيل لجنة أسماها لجنة الخمسة والعشرين لتناقش القضية ولكنه كحال الأنظمة الشمولية يتظاهرون بالمرونة لكنهم يستعصمون بمواقفهم.

اللجنة التي دُعي لها طلبة جامعة الخرطوم للمشاركة في النقاش، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، حيث تطورت الندوة فيما أصبح يعرف لاحقاً بأركان النقاش ودخلت الشرطة بركس جامعة الخرطوم ( و ما أدراك ما دخول البركس ) إنه مكان من القدسية بمكان يجعل مجرد الدخول اليه نواة للثورة.

دخلت الشرطة لتفريق ندوة حملت اسم (المعالجة الدستورية لمشكلة جنوب السودان ) والتي سقط فيها طالب الجامعة أحمد القرشي .

عزيزي تشارلز :

تاريخنا مع الأسف الشديد يرويه كل راوٍ بحسب ما يخدم أجندته، ففي الوقت الذي تبنى فيه الحزب الشيوعي بقيادة فاروق أبو عيسى المظاهرات و صبغ على طالب جامعة الخرطوم أحمد القرشي لقب الشهيد و سميت عليه حدائق وشوارع،
إلا أن هنالك رواة ثقاة آخرين يتحدثون عن أن الطالب لم يكن حتى مشاركاً في الندوة و إنما أصابه عيار ناري طائش ، وهكذا …إنه تاريخ ملون .

اتهم الشيوعيون الإسلاميين بأنهم من كانوا خلف نظام عبود ، في الوقت الذي حاول فيه الإسلاميين الانقلاب على عبود قبل ثورة أكتوبر نفسها.

لكل ذلك نقرأ كتب التاريخ و نسمع الأقاصي والأحاجي وتبقى المأساة في فشلنا المستمر في استخلاص العبر و الحِكم والمضي قدماً ، لأنه حين يكون المؤرخون كاذبين و شهود العيان غير محايدين يصبح التاريخ مزيفاً فتتكرر الأخطاء.

صديقي تشارلز

لاحقاً استمرت التظاهرات في كل أنحاء السودان عقب تشييع القرشي وكان الشعار الأبرز «إلى القصر حتى النصر»، الجميع يذهب الى القصر و ربما يذهب أحدهم إلى السجن حبيساً ليعود إلى القصر رئيساً و تلك قصة أخرى في عهد رئيس اسمه عمر البشير .

أعود وأقول في ذلك الوقت انحنى عبود قليلاً في خطابه لكنه ألمح إلى بقائه في السلطة حتى تشكيل حكومة. لا أدري لماذا تذكرت مرة أخرى قصة الرئيس عمر البشير والذي خرج في خطاب مماثل كان المنتظر أن يعلن تنحيه ويجنب البلاد كل هذا المصير الأسود ولكنه استعصم بالكرسي، إنه المرض العضال والذي لا علاج له إلا بالوعي والعلم؛ مرض أزلي اسمه (الكرسي ).

واصلت الجماهير ثورتها، واعتصمت أمام القصر و فرق كبير بين اعتصامها و اعتصام آخر سمي باعتصام الموز ، و كعادة الشرطة اطلقت الرصاص وقتل مجموعة من المتظاهرين في واقعة سميت بحادثة القصر

بعدها تنحى عبود واستلم الحكومة ما عرف برئيس وزراء الفترة الانتقالية اسمه سر الختم الخليفة،الذي نال لقب (سير) من ملكة بريطانيا و شتان بينه وبين عميل ماسوني اسمه حمدوك استلم أيضاً رئاسة الفترة الانتقالية في السودان. (وشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾

عزيزي تشارلز

هل لاحظت تكرار المواقف و الأحداث والأخطاء؟ إنه لأمرٌ مضحكٌ مُبْكٍ.

حسنًا …انتظر بقية مكتوبي في رسالة قادمة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى