نبض للوطن.. أحمد يوسف التاي: حكايات للتوثيق وفهم الراهن (5)
نبض للوطن
أحمد يوسف التاي
حكايات للتوثيق وفهم الراهن (5)
(1)
قبل إجراء الحوار مع السيد وكيل وزارة العدل للدفاع عن نفسه في مواجهة الإتهامات التي نشرناها ضده بإستغلال نفوذه والاستيلاء على قطع أراضي مميزة دون وجه حق سألته: لماذا لا تشتكينا طالما أن معلوماتنا غير صحيحة، رد بأن لا رغبة له في استعداء الصحافيين، وتساءل وماذا استفيد من شكوى صحفي..
المهم جاء الوقت المضروب لإجراء الحوار معه بالوزارة وذهبتُ إلى هناك واصطحبتُ معي رئيس القسم السياسي الأستاذ يوسف الجلال، ووقتها كنتُ مديراً للتحرير “والحق أن الحوار الذي أجريناه مع السيد الوكيل كان عبارة عن (تحري) وليس حواراً صحافياً عادياً، وحاول الدفاع عن نفسه لكنه لم يفلح، وبمعطيات إجاباته عن اسئلتنا كان قد أدان نفسه بدلاً عن الدفاع عنها، وللأمانة كان الرجل صريحاً في بعض الإعترافات بشكلٍ أكثر مما كنتُ أتوقع…والحوار الآن موجود في (قوقل) للذي يريد الإطلاع عليه..
أكملنا الحوار وقفلنا راجعين إلى الصحيفة، وكان الرجل طلب منا إرسال الحوار له للإطلاع عليه قبل النشر فوافقنا على ذلك..
بعد توضيب الحوار وإعداده للنشر جيداً أدركتُ أن الحوار يحمل دليل إدانة إضافي للسيد الوكيل لما به من الإعترافات والإقرارات الخطيرة، لدرجة أني كنتُ اتوقع ان يطلب عدم نشره في أية لحظة..
(2)
أرسلنا له الحوار كاملاً منذ العصر، وكنا قد نوهنا إلى أن النشر سيكون غداً، وبينما كنا في انتظاره ليرسل لنا الحوار، فشلت كل محاولاتنا في التواصل معه إذ أن هاتفه كان مغلقاً، وانتظرنا حتى الثامنة مساء ولم نفلح، عندها تحركتُ بصحبة الجلال إلى منزله، فوجدنا بالمنزل أمة من الناس كأنما كانوا في عزاء من بينهم سياسيين ووكلاء نيابة، وآخرين من الأقارب والأصدقاء، وكان هناك وجوم وغضب، أما صاحب الشأن كان هادئاً ، لكنه كان منهار (هكذا قالها بنفسه ) وذلك عندما طلبنا منه الحوار للنشر، وابلغناه بأننا قطعنا معه وعداً بألا ننشره الا بعد إطلاعه عليه، وقلتُ له وجئنا الآن للتأكد من أنك أطلعت عليه ونفي بوعدنا، فرد بأنه لم يكمل مراجعته، وذلك لأن الناس عندما قرأوا الصحيفة كانوا ولازالوا يتوافدون لمنزله “مهجومين”، وأضاف: (انتو هسي شايفين الناس بتصلي وانا والله منهار ماقادر أقيف أصلي معاهم) وطلب تأجيل نشر الحوار لبعد غدٍ حتى يتمكن من الإطلاع عليه جيداً ، بعد اعتراض منا ومشاورات نزلنا إلى رغبته، وأجلنا نشر الحوار ليوم آخر، لكننا تفاجأنا في الصباح الباكر بدعوته وسائل الإعلام والكتاب ورؤساء التحرير، لعقد مؤتمر صحافي، وبدا واضحاً أن قيادات الوزارة ومستشاريها ابرموا أمراً، وحاولوا خداعنا بعد ان تأكد لهم أن نشر الحوار سيكون فضيحة وبالفعل عقد المؤتمر في التاسعة صباحاً وفند ونفى ما أوردناه، وهدد بمقاضاة الصحيفة، لم تمضِ دقائق حتى القت الشرطة القبض على د. ياسر محجوب، واودع الحبس وهناك عومل معاملة سيئة، وفي المساء أصدرت وزارة العدل بيانا تدين فيه الصحيفة، وأصدرت قراراً يقضي بعدم نشر الحوار الذي أجريناه مع وكيل الوزارة، وقد اشتمل القرار من التهديد والوعيد ماترتعد له الفرائص، وتم تسليمي القرار وهو أمر وتهديد بعدم النشر، لكن لم اهتم بالتهديدات ولا بقرار الوزارة وقررتُ نشر الحوار وتجاوُز كل التهديدات… وفي صبيحة اليوم التالي جاء في عنواننا الرئيس بالخط الأحمر:(وزارة العدل تحظر نشر حوار وكيل الوزارة، والصيحة تنشره بالداخل) .. في الحال تم القبض على شخصي لأجد بعد ذلك عشرات البلاغات في مواجهتي بنيابة الصحافة، ونيابة أمن الدولة ، كما شملت البلاغات كل الصحافيين والصحافيات، وكل من وُجد اسمه مكتوباً بالصحيفة، وقد استمر مسلسل القبض على الصحافيين حتى بعد مرور أيام من مصادرة الصحيفة وإغلاقها..
(3)
بعد إطلاق سراحه غادر د. ياسر محجوب إلى لندن طالباً حق اللجو ، وقد نصحني كثير من الإخوة والزملاء بالتقديم لحق اللجوء لكثرة التضييق والملاحقات والبلاغات والإستدعاءات من الشرطة وجهاز الأمن، ومجلس الصحافة ولكني رفضتُ الأمر بشكل قاطع، حتى زوجتي من كثرة إشفاقها علي كانت تناصحني بطلب حق اللجوء..
مرت الأيام العصيبة، وهدأت الملاحقات بينما الصحيفة مصادرة ومعلقة الصدور..
في تلك الفترة كان حوار (الوثبة) بين النظام والمعارضة في بداياته، وكان في تلك الأثناء الراحل الإمام الصادق المهدي ، وإبراهيم الشيخ، كانا معتقليْن بأمر من قائد قوات الدعم السريع..
وفي أحد إجتماعاتها مع الرئيس المخلوع، طلبت لجنة 7+7وهي لجنة الحوار من البشير الإفراج عن الصادق المهدي، وإبراهيم الشيخ، وفك حظر صحيفة الصيحة، وذلك لتهيئة مناخ الحوار والحريات، فوعد البشير بإطلاق سراح المعتقليْن المهدي، والشيخ، ولكنه رفض رفضاً باتاً إلغاء قرار مصادرة الصيحة ، وتمسك بإستمرار تعليق صدورها، وحسبما ابلغنا بعض أعضاء لجنة الحوار من جانب المعارضة أن الرئيس البشير كان متشدداً في مسألة إيقاف الصحيفة، وحتى بعد أن تم قرار المصادرة لاحقاً كنتُ رئيس التحرير الوحيد الذي يستثنونه من دعوات المؤتمرات الصحافية و لقاءات التنوير التي تعقد بالقصر الجمهوري أو الدعوات ذات العلاقة بمكتب الرئيس ، أما الرحلات الخارجية والداخلية للرئيس فهذه، (فلا تقربون)، رغم ان الصحيفة كانت الأكبر والأكثر انتشاراً بعد الانتباهة..
(4)
عندما استعصت عليهم محاكمة د. ياسر المتواجد بلندن، الحاصل على حق اللجوء، اقحموا في بلاغات وكيل وزارة العدل، شخصي والراحل الطيب مصطفى، وهو رئيس مجلس إدارة ليس له علاقة بالنشر، وليس مسؤولا عنه كما ان مدير التحرير ايضاً لاتترتب عليه مسؤولية قانونية، المهم تمت محاكمتنا الإثنين بمحكمة الامتداد وليس محكمة الصحافة والمطبوعات، وتم شطب البلاغات، ثم جرى تحويل بعضها إلى محكمة الصحافة والمطبوعات، وتمت تبرأتنا، لأن مستنداتنا كانت تتحدث عن نفسها..
نواصل…
اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.