الكتاب

نبض للوطن- أحمد يوسف التاي- حيوا معي هذا الزول.. (زول البردانة)

(1)
إن أخفي لا اخفي إعجابي الشديد بصفات كريمة، ومناقب أصيلة، وخصال طيبة اجتمعت في أهل قرية كانت ولاتزال آمنة مطمئنة محروسة بذات الخصال الحميدة، محصنة بالتسامح والمحبة والتعاون بين مكوناتها ..
قرية سودانية جمعت في سجايا أهلها بين الأصالة والحداثة، والحزم والعزم والبساطة والدهاء فتجسدت فيها عبارة السهل الممتنع خير تمثيل، لذلك استحقت مني التوثيق لبعض الصفات التي ميزت مجتمعها، وشكلت بعض محاور ملاحظاتي الخاصة، وربما اجهل الكثير من الخصال الحميدة التي يعرفها غيري ولا أعرفها عن هذا المجتمع الريفي البسيط…
( البردانة)، هي إحدى القرى الكبيرة والمميزة بمحلية الدندر، تقع على بعد (8) كلم تقريبا جنوب المدينة، غرب نهر الدندر، اغلب سكانها عمال بسطاء، ومزارعين إلى جانب بعض الموظفين العاملين في مجال التعليم والمحاماة غيرهما من المهن، وقد كان لأبناء القرية ريادة في كثير من المهن والمجالات التي ارتادوها..
أما التركيبة الاجتماعية للقرية فنجد
اغلب سكانها ينتمون لقبيلة القواسمة ويليهم الحلاويين ثم الجعليين،لكنهم انصهروا فكانوا كقبيلة واحدة، تحمل صفات وجينات واحدة، و(نبرة صوت) واحدة،بل تشابُه في كل شيء حد التطابق والتماثل، ولعل هذا شيء اعتبره كلمة السر، والشفرة التي ستشكل محور حديثي عن أهلي في قرية البردانة وانا اتحدث عنهم هنا كمجتمع إيجابي يستحق التحفيز ..
(2)
ثمة خصال طيبة جديرة بالملاحظة اجتمعت في أهل هذه القرية فكانت علامة مُمَيِّزة لمواطن البردانة لا ينافسه فيها أحد إلا أهله من (ناس البردانة)، فالغالبية منهم يتمتعون بروح الدعابة، والفكاهة، وسلامة الضمير ،فهم أصحاب نكتة حاضرة وروح رياضية، ونفوس لا تكدرها الأحقاد، ولايطغى عليها الحسد… يعيشون حياتهم في بساطة دون تعقيد، او تزييف وعلى بلاطة دون رتوش ..
(3)
من أولى ملاحظاتي التي كونتها عن ذلك المجتمع الريفي العريق البسيط أن أفراده منتجون من الدرجة الأولى يحبون العمل لدرجة الإدمان والتفاني ، وبذلك يحاربون العطالة بشتى السبل، فهم عناصر منتجة.
ومما هو جدير بالملاحظة أيضاً أن أفراد مجتمع البردانة متحدون إلى حد كبير مقارنة بالمجتمعات الريفية والحضرية حوله للحد الذي جعلهم مؤثرون في تشكيل الرأي المحلي والمواقف الخاصة بالقضايا المحلية..
(4)
أقوى الملاحظات التي سجلتها في دفتري الخاص، هي أن التأثير الإيجابي للمجتمع على أفراده أقوى، وبمعنى أدق أن السجايا الطيبة والعادات الحميدة التي غرسها المجتمع في افراده هناك، وشكلت ثقافة الفرد، عجزت المجتمعات الحضرية بالداخل والخارج عن انتزاعها منه، حيث تجد القاضي، الطبيب ، العالم، المحامي، المعلم، والمهندس في بقاع السودان المختلفة، وفي عواصم العالم يعيش بساطة اهله دون تعقيد،او تكلٌّف ويتمسك بعاداته وثقافته ونبرة صوته بذات الجذور العميقة المازجة بين الأصالة والحداثة، ويتدثر بذات الروح المرحة، والقفشات وروح الفكاهة، مما يدل على متانة الثقافة التي تشربوا بها وعمق جذورها، وقوة التأثير الإيجابي للمجتمع وعاداته وخصاله الحميدة التي يعتز بها الأفراد، وهناك طرائف لا حصر تُروى لتجسيد تلك المعاني ..
(5)
اعتقد أن انتشار التعليم وتنافس الآباء في تعليم ابنائهم كان له أثراً إيجابياً في خلق مجتمع معافى من كثير من الأمراض الإجتماعية التي تهدم
المجتمعات والتي نعاني من أوجاعها الآن ..
كما أن العدد الكبير من المعلمين، والاساتذة المحاميين المستنيرين خلق جداراً حصيناً ، وبعث قدراً كبيراً من الوعي وسط الشباب الذين انخرطوا في أعمال الخير والعمل الطوعي وتوجيهه في بنا ء المدارس، والإهتمام بجانب الخدمات من تعليم وصحة وكهرباء ومياه، وهذا عمل ضخم ظل يتبناه الشباب، بصورة تشرف كل المنطقة والسودان…
(6)
ومن أشهر أعلام ورموز قرية البردانة
من المهنيين
المرحوم الدكتور البيطري أمبلي عبد الله العجب الذي تخرج في جامعة الخرطوم وعمل وزيراً للزراعة بولاية النيل الأزرق و ولاية سنار و نائباً لوالي ولاية سنار ثم رئيساً لمجلس الولايات القومي،
المرحوم الباشمهندس زراعي ابراهيم احمد البشير شيقوق تخرج من كلية الزراعة بجامعة الخرطوم، والذي عمل بوزارة الزراعة الاتحادية.
البروفيسر طه أمبلي اختصاصي أمراض النساء و التوليد ،تخرج في كلية الطب جامعة الخرطوم،
مولانا امبلي بابكر اباحميد عمل قاضيا بالسلطة القضائية إلى أن وصل درجة قاضي محكمة عليا.
الدكتور البدري بابكر اباحميد، اختصاصي أمراض النساء والتوليد تخرج في كلية الطب جامعة الخرطوم.
الطيب مضوي شيقوق المحامي و المستشار القانوني، عضو مجلس إدارة سوق الخرطوم للأوراق المالية، تخرج في كلية الحقوق جامعة الخرطوم بكالريوس مرتبة الشرف،
الاستاذ على الإمام مصطفى، تخرج في كلية الآداب في جامعة الخرطوم قسم اللغة الانجليزية وعمل معلما بالمدارس الثانوية إلى أن وصل درجة موجه لتعليم اللغة الانجليزية بالولاية،
الدكتور إبراهيم بابكر اباحميد، تخرج من قسم اللغة الانجليزية بجامعة امدرمان الإسلامية وعمل معلما بالسودان ثم اليمن و سلطنة عمان وحاليا مقيم بدولة قطر، وللدكتور إبراهيم بابكر أفضال علينا كثيرة فليسمح لي القاريء الكريم أن اذكر بعضها، فيكفي أننا تتلمدنا على يديه بمدرسة اللويسة الابتدائية، فكان والله يشهد نعم المربي والأب والمعلم تهذيبا وعلماً وأخلاقاً وقيماً، وقد اسهم بقدر كبير في تشكيل تربيتنا، فجزاه الله عنا كل خير..
ومن أعلام القرية من المهنيين كذلك العوض بانقا شيقوق تخرج في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم تخصص في مجال العلوم الإدارية،
بشير عبد الغني الطيب شيقوق تخرج في كلية الاقتصاد بجامعة الجزيرة،
فضل المولى عوض الكريم، تخرج في جامعة الجزيرة كلية الاقتصاد يعمل حاليا محاسب أول بواحدة من الشركات الأجنبية العاملة في المجال الإنساني بالسودان.
المرحوم محمد ابراهيم البدوي تخرج في كلية الزراعة بجامعة عين شمس بالقاهرة ،
الباشمهندس عيسى احمد البشير تخرج في المعاهد المصرية ويعمل حاليا بهيئة توفير المياة بولاية سنار، وهناك الكثير من المهنيين الشباب الذين يشقون طريق المستقبل بثبات…
أما المعلمون فهم كثر لا نستطيع حصرهم في هذه المساحة، ولكن على سبيل المثال تبرز عند ذكرهم الاسماء الكبيرة مثل المرحوم محمد نور على قدورة الذي عمل بمدارس الدندر الصغرى في خمسينات القرن الماضي،وكذلك
المرحوم الاستاذ التوم عبد الغني الذي عمل معلماً بالمدارس الأولية في ستينات القرن الماضي
وبالقرية عدد كبير جدا من المعلمين و المعلمات بجميع المراحل الدراسية و قد اكتفت القرية بأبنائها و رفدت بقية مدارس المحلية المجاورة بحاجتها من المعلمين و المعلمات.
كما أن بالقرية عدد كبير من المحاميين الشباب الواعدين..
ومن أبرز الشباب المسكونين بحب أعمال الخير ، فأصبحوا رواده بلا منازع، نذكرالأخ
فتح الرحمن الجزولي احمد البشير شيقوق، والأخ
عبد الله بشير الكناني
ويعود اليهما الفضل في تشييد و صيانة المرافق العامة بالقرية لا سيما المرافق التعليمية وبناء عدة مساجد وحفر مجموعة من الآبار بعدد من قرى الدندر، إلى جانب زملائهم المتطوعين من شباب القرية..
(7)
أعود وأقول أن مجتمعا استجمع كل هذه الصفات والمناقب الكريمة في زمان طغت فيه العنصرية، وتمدد فيه خطاب الكراهية، وكثرت فيه الأحقاد، لهو جدير بالحفاوة والتكريم، كيف لا وقد هزم كل تلك المنقصات والموبقات بالانصهار والعمل الدؤوب والانتاج والنظر إلى الحياة ببساطة ودون تعقيد، ووحدة دون تفريق، ذلك الفرد الإيجابي في مجتمع إيجابي… حيَّوا معي هذا الزول ، زول البردانة…
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى