عادل عسوم- آية قرآنية تخاطب حكومات ودولا: (وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً).
هذه الآية الكريمة تستحق وقفات، فيها خطاب إلهي سامي موجه إلى اصحاب الإيمان القوي واليقين الراسخ بأن الله هو الرزاق، والنافع والضار.
يقول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْـمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْـمَسْجِدَ الْـحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إن شَاءَ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة 28.
العَيْلَةُ هي الفقرُ والحاجة.
هذه الآية الكريمة نزلت في العام التاسع من الهجرة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأمره أن ينادي في المشركين بأن لا حج لهم بعد عامهم هذا الا بعد إسلامهم، وقد كانوا يحجون من قبل وهم على شركهم ويطوفون بالبيت عرايا.
هذا الأمر كان على سبيل اعادة الحج إلى أصله في الشريعة الابراهيمية، وقد انحرف مظهر حج الناس مع تقادم العهود والقرون عن مراد الله من الحج لما خالط شعائره من شركيات.
عن عكرمة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت ومعهم الطعام، وَيتَّجِرون فيه، فلما نُهُوا أن يأتوا البيت قال المسلمون: من أين لنا الطعام؟ فأنـزل الله: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء}، فنزل المطر، وكثر خيرهم، حتى ذهب عنهم المشركون.
وللعلم فإن نجاسة المشركين المذكورة هنا ليست حسية جسدية، إنما هي معنوية فكرية، والدليل على ذلك أن الله أباح للمسلمين طعام الذين أُوتوا الكتاب وفيهم الشرك، وأباح كذلك المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للزواج بهن، وبذلك فإن الإسلام يقدّم الفكر والإعتقاد ويجعل من ذلك أولوية للتحاكم، ولذلك قال جل في علاه:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} النساء 48.
هذه كانت نتيجة التزام المسلمين بتنفيذ أمر الله في الآية الكريمة،
قال صاحب الكشاف:
قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} أى: من عطائه، أو من تفضله بوجه آخر، فأرسل عليهم السماء مدرارا، فأغزر بها خيرهم، وأكثر مسيرهم. وأسلم أهل تبالة وجرس، فحملوا إلى مكة الطعام وما يعاش به فكان أعود عليهم مما خافوا العيلة لفواته.
والتقييد بالمشيئة فى قوله: {إِن شَآءَ} ليس للتردد، بل هو لتعليم المؤمنين رعاية الأدب مع الله تعالى كما فى قوله: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ}، ولبيان أن هذا الاغناء بإرادته سبحانه وحده، فعليهم أن يجعلوا اعتمادهم عليه، وتضرعهم إليه لا إلى غيره، وللتنبيه على أن عطاءه سبحانه لهم هو من باب التفضل لا الوجوب، لأنه لو كان واجبا ما قيده بالمشيئة.
ولما كانت مشيئته سبحانه تجرى حسب مقتضى علمه وحكمته، فقد ختم الآية بقوله: {إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
أى: إن الله عليم بأحوالكم ومصالحكم، وبما يكون عليه أمر حاضركم ومستقبلكم حكيم فيما شرعه لكم. فاستجيبوا له لتنالوا السعادة فى دنياكم وآخرتكم.
قد يسألني سائل ويقول:
يعني عاوز تقول اننا ينبغي أن نوقن بهذه الآية ونرفض التدخلات الخارجية الحالية في السودان من بعض السفارات والدول، ونرفض كل تلويح بقروض مالية مرتبطة بإملاءات سياسية واشتراطات مجتمعية وفكرية تخالف ديننا؟!
اجابتي على ذلك:
نعم، ولِمَ لا؟…
المسلمون في مكة ماكنت لديهم موارد يعتمدون عليها، فأرض مكة لاتصلح للزراعة مثل أرض السودان، ولا يملكون ثروة حيوانية بالملايين، وليس عندهم ذهب، ولا صمغ عربي.
كما أن الواقع العالمي يثبت وجود دول فعلت ذلك (وان فعلته بطوية مختلفة)، فانغلقت على نفسها لسنوات، ورفعت من ثقة الشعب بنفسه، وبدأت الدولة من تحت الصفر لتصبح بعد اعوام قلائل دولة يشار إليها بالبنان، اليابان قد فعلت ذلك، وهناك امثلة أخرى عديدة.
وفي المقابل، هل أصلا نهضت دول بعينها نتاج أمثال هذه الهبات والقروض المشروطة؟
ولعلي أختم بواقع مشاهد يثبت يعايشه أهلنا في القرى والبوادي وكذلك في اطراف المدن:
عندما ننظر إلى الأنعام (الخراف مثلا) من جانب و(الكلاب) من جانب آخر؛ نجد الخراف لاتنجب عادة إلا مولودا أو مولودين على الأكثر في العام، بينما تنجب الكلبة خلال العام أكثر من عشر جراء، وبالرغم من ذلك -مضافا إليه أن الخراف معرضة دوما للذبح من البشر واتخاذها طعاما- فإن تعداد الخراف يفوق اعداد الكلاب وقد تستحيل المقارنة أصلا!، وبالتالي فإن الجزم بأن كل شئ يرتهن بالحسابات ليس صحيح، إذن لماذا لانسعى (مرة) للنظر من هذه الزاوية؟!
اللهم اقل عثرة هذا السودان، واكتب النصر لجيشه، واكتب لأهله الخير، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
[email protected]