العيكورة: خسارة قرايتي
صبري محمد علي (العيكورة)
بابا …؟
أيوه يا صبا !
في (مطعم قهوة) في السودان اسمو خسارة قرايتي !
كانت تلك صغيرتي (صبا) ذات العشر سنوات صباح يوم مدرسي جديد تجلس بجواري داخل السيارة فى طريقنا الى مدرستها فأجبتها نعم ولكن اسمها قهوة او (كافيه) وليست مطعم قهوة .
سؤالها أعادني بالذاكرة وكأنى قد رأيت صورة لواجهة محل عبر تطبيق (الواتساب) بذات المسمى .
أوصلتها الى المدرسة ثم عدت أدراجي أفتش في صور (الاستديو) بجهاز الهاتف حتى عثرت عليها لوحة أو واجهة محل في غاية الاتقان والجمال ذات ألوان عدة تتوسطها دائرة بيضاوية حمراء اللون مكتوب عليها باللون الابيض
(خسارة قرايتي) ….!
وعلى جانبيها كتب زلابية بالنيوتيلا، زالبية بالقشطة، زلابية بالعسل، حليب بارد، شاي لبن، شاي سادة مذيلة بعبارة (مرحباً بكم) وأسفلها أرقام هواتف المحل . التعليق المصاحب للصورة هو : شباب من خريجي الجامعات يقومون بفتح محل لبيع الشاي باللبن والزلابية باسم (خسارة قرايتي). وايضاً هناك تعليق آخر كان مصاحباً للصورة قرأته في موقع إسفيري بأن هذا المحل بأم درمان !
أولاً أتمنى ان يكون هذا المحل هو حقيقة ونحيي الشباب الذين نفذوا هذا المشروع في محاولة منهم لحل او لتخفيف مشكلة البطالة بين خريجي الجامعات و (الكلام) يقودنا ان نحث وسائل الاعلام لعكس هذه الفكرة وتسويقها فلربما تستهوي الكثيرين والكثيرات من أبنائنا وبناتنا الشباب و (الكلام) يقودنا أن نذكر(البنوك) بتمويل مثل هذه المشاريع بما يعرف (بالتمويل الأصغر) .
قد تكون الفكرة غريبة على مجتمعنا ولكنها قديمة بالدول العربية ودول الجوار كمصر مثلاً وغيرها .
ذهب بى سؤال (صبا) الى ثمانينيات القرن الماضي وتحديداً لشارع فاطمة اليوسف بالابراهيمية بمدينة الإسكندرية فكنا يومياً نبتاع الفول والطعمية من محل بهذا الشارع المجاور لسكننا، محل متواضع تستقبلك لوحة كتبت عليها الآية الكريمة (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) معلقة خلف صاحب المحل (المعلم فتحي) شاب ضخم الجثة وأسفل الآية أذكر عُلقت شهادة …
(ليسانس آداب) جامعة الإسكندرية للطالب فتحي !
القراية يا شباب ….
(عمرها ما كانت خسارة)
فمثل هذا الفهم الذى قادكم لهذه الفكرة هو (قراية) ودراسة تكلفة التشغيل والوارد والمنصرف ودراسة الجدى فأكيد قتلتموها بحثاً ثم نفذتم فهذه (قراية وفهم) .
فلا حياء في العمل وكسب الرزق طالما انه كان حلالاً شريفاً فافتخروا بعلمكم وبعصاميتكم وأحمدوا ربكم على هذا (الفهم) المتقدم فغيركم قد آثر التبطح والتسكع ينتظر الوظيفة !
ليس عيباً أيها الشباب أن تقولوا ….
(مُش الجامعة دي) ؟
كملناها …..!
ناولني الطورية دي أين العيب ؟ أعمل على (ركشة) أين العيب وزع جرائد أين المشكلة؟ أعمل صبي ميكانيكي أو بيع موية باردة، فول مدمس، ترمس أين العيب؟
أعمل و(علق صورة) شهادتك على موقع عملك أياً كان ولو داخل عربة (هايس) تقودها باليومية وقل للعالم
(مش الجامعة دي … ؟ كملناها) وأقدل وتبختر وكل حلالاً من عرق جبينك وساعد أهلك بالمقسومة .
أسمعها من عمك يا ولدي …..
كانت لدي طبلية صغيرة لبيع الحلويات وانا بالابتدائي ثم بالمتوسط (شتلنا) البصل واشتغلت (طُلبه) لابن عمي المرحوم عبد الله السماني (بياض ونقاشة) .
ثم عند عطلات المرحلة الثانوية بحنتوب استقليت بإنشاء فرقة (نقاشة) اعترفت بها كافة دوائر الأمم المتحدة بالعيكورة و وظفت معي (طلبتين) ومساعد .
هذه البحبوحة مكنتني من اقتناء ما اريد من الملابس والعطور والاحذية وشراء ساعة (رومر) وقميص تحرمني منك وشارلستون، وهكذا استمر الكفاح بعد الجامعة حتى تنكبنا سنام الاغتراب بدأناه من
(تحت الصفر المادي) ..!
فيا أبنائي (الشغل ما عيب) العيب أن تمد يدك للغير وانت شاب مفتول العضلات .
قبل ما أنسى : ــــ
التحية لأولانا أصحاب الفكرة وعقبال (كمان وكمان) فقط غيروا (الاسم) فالقراية ليست خسارة إلا إن كان المعنى المقصود هو ان تستردوا ثمن ما خسرتموه من مصاريف الدراسة .
وإلا فأكبر شركة بريد في العالم الامريكية (فيديكس) والتى تمتلك اسطولاً من السفن والطائرات حول العالم أنشأها رجل كانت طفولته معاقاً يمشي على عكازتين .