أحمد يوسف التاي : أقاموا عليه مأتماً وعويلا.. خطاب البرهان إلى ما ينتهي العزاء
خاص صوت السودان

قراءة/ أحمد يوسف التاي
(1)
مازال صدى خطاب البرهان أمام “لقاء” ما اُصطلح عليها “القوى الوطنية” في بورتسودان، يتردد بقوة في الأوساط السياسية والإعلامية ويشعل مواقع التواصل الإجتماعي، ومنصات الأخبار والمواقع الإلكترونية ،كما لو كان حجراً كبيراً أُلقي به في بحيرة ظلت ساكنة سياسياً بعضاً من الوقت..
ومن الواضح أن مفردات الخطاب في مجملها لم تحمل جديداً يثير كل هذا الحراك باستثناء ماورد بشأن وضع الطرفين السياسيين المتصارعين سياسياً وإمكانية مشاركتهما في السلطة مستقبلاً، وهما قوى الحرية والتغيير والمؤتمر الوطني.
(2)
الخطاب بطبيعة الحال أثار جدلاً واسعاً ، وموجة من الغضب لدى عضوية الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني من الذين هاجموا البرهان بصورة شخصية وهددوا،لما رأوا في خطابه تنكُراً للدور الذي قام به الإسلاميون في دحر ميليشيا الدعم السريع وقتالهم جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة وهذا ما بدا من مقالات بعض كُتّاب الإسلاميين وكوادرهم السياسية ، بينما أجتهد كبار الإسلاميين في كبت الغضب وضبط النفس والتحكم في ردة الفعل وإخفائها تحت عبارة أن الوقت الآن لحسم المعركة وتقوية الصف الوطني والجبهة الداخلية وليس لإظهار أية خلافات أخرى ولا أي حديث عن الحكم والسلطة، وهذا ما بدا من تصريحات وبيانات بعض قيادات الصف الاول والثاني وفي مجملها تدعو إلى تأجيل الخلاف وليس تجاوزه…
ورغم أن ردة فعل هؤلاء هادئة إلا أنها تستبطن بعض التهديدات مثلما ورد في بيان الحزب (لا يستطيع أحد أن يصادر إرادتنا).
(3)
الجدل نفسه أثاره الخطاب في أوساط قوى الحرية والتغيير ولكن بدرجة أقل، والقى إليه البعض نظرة مشوبة بالحذر، إذ أشارت ردود الفعل إلى أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) انقسمت في نظرتها للخطاب إلى قسمين كل قسم نظر إليه من زاوية مختلفة..
بعض القيادات في (تقدم) نظرت للخطاب نظرة إيجابية ورأت فيه ضواءاً أخضرَ للحوار من خلال عبارة (إذا تخلوا عن دعم الميليشيا)
،وهذا إذا اعتبرناه شرطاً فهو سهل التجاوز خاصة وأن (تقدم) لا تقر بأي دعم أو أي ارتباط لها بالميليشيا..
هذه الطائفة التي يتقدمها القيادي ب(تقدم) ياسر عرمان التقطت القفاز ودعت البرهان لتتويج هذا الخطاب بإعلان حوار شامل ينهي الحرب.
طائفة أخرى في (تقدم) نظرت إلى خطاب البرهان من زاوية مختلفة وعلى النقيض تماماً من سابقتها، وهي نظرة التشكيك في نوايا البرهان والتأكيد على أنها مسرحية متفق عليها بين البرهان والإسلاميين وأنها لن تنطلي عليهم.
(4)
وبقراءة موضوعية لماورد في الخطاب بشأن (تقدم) والمؤتمر الوطني، ووفقاً لكثير من المعطيات يمكن القول أن خطاب البرهان يحتمل سيناريوهين هما الابرز على الأقل:
الأول: إما أن يكون البرهان استخدم تاكتيكاً سياسياً محدداً وأراد المناورة السياسية لتحقيق أهداف سياسية محددة، وأن ما ورد في الخطاب وأثار كل هذا الجدل ذا طبيعة تاكتيكية ولا علاقة له بالواقع والإستراتيجيات..
ومن هنا يبرز السؤال الأهم: مَنْ هي الجهة المستهدفة بهذا التاكتيك؟ هل هي خارجية أم داخلية؟..
السيناريو أعلاه تعززه بعض المعطيات على النحو التالي:
(1) ربما يعاني السيد البرهان من ضغوط خارجية تحاول فرض أجندة وشخصيات محددة عليه، ويحاول هو إرسال تطمينات لتهدئة تلك الضغوط.
(2) ربما يريد بعث رسالة للجهات الخارجية الأكثر توجساً من الاسلاميين بأن الجيش لن يسمح بعودتهم للسلطة.
(3) ربما هناك تنسيق محكم بين البرهان والاسلاميين لرسم مستقبل الحكم ويريد من خلال هذا الخطاب صرف الأنظار بعيدا عن هذا التنسيق.
(5)
أما السيناريو الثاني..هو أن يكون خطاب البرهان ينطوي على توجه سياسي واقعي وحقيقي بعيداً عن المناورات والمراوغة السياسية وكسب الوقت…وهذا السيناريو أيضاً تعززة معطيات تبدو على النحو التالي:
( أ ) ربما أراد البرهان أن يفي بوعده المتكرر ويسعى لتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة فعلاً، وهو وعد قطعه أكثر من مرة للداخل والخارج.
(ب) ربما أتت هذه الخطوة في إطار العملية السياسية الكبرى التي تنشط فيها الأمم المتحدة والإتحاد الافريقي من خلال رئيس الآلية رفيعة المستوى بقيادة محمد بن شمباس، والذي قطع شوطا كبيرا في ترتيبات الحوار السوداني السوداني وإنهاء الحرب.
(ج) ربما أراد البرهان أن يختم مسيرته العملية بعد إعلان نهاية الحرب بالوصول إلى إنجاز مصالحة وطنية يضمن من خلالها الخروج من السلطة (كفاحا لا ليَّ ولا عليَّ) وتسليمها للمدنيين.
(6)
الأيام القليلة المقبلة كفيلة بترجيح أحد السيناريوهين..
والأيام حبلى يلِدْنَ كل جديد ومفاجيء..