الكتاب

نبض للوطن..أحمد يوسف التاي: ضع نفسك في الموضع الذي يشبهك

خاص صوت السودان

 (1)

ما انتابني إحساسٌ قط، وما ساورني شكٌ والله أبداً في أن الجيش سينتصر، وتخسر الميليشيا وتُولي الدبر. وفي أول مقال منذ بداية الحرب تنبأتُ بهذا السيناريو وأشرتُ إلى انعدام المقارنة بين الجيش والميليشيا.

ومع يقيننا بحتمية الانتصار إلا أننا كنا أول المعارضين لهذه الحرب ووددتُ لو أنها توقفت منذ الثلاثة أيام الأولى، لأننا نعلم فداحتها وآلامها وأثمانها الباهظة التي سيدفعها البؤساء البسطاء العزل والمقهورين المحرومين وحدهم.

وكنا نعلم أنه بعد الخراب والدمار ستعود “الثعالب” إلى ميدان لعبة الأذيال المنفوشة، وفي أول محطة اختلاف سيعود الممسكون بعود الثقاب لإشعالها مرة أخرى…والسؤال الأكثر إلحاحاً اليوم:ما الذي يتوجب فعله بعد الحرب؟..

(2)

مع العلم أنه في كل مرة، سبب الحرائق والدمار والتخريب ظل وسيظل هو الصراع المجنون حول “السلطة”.

ما من شكٍ أبداً أن الفشل في الاتفاق على صيغة محترمة ومتحضرة لتداول السلطة سلمياً واستخدامها لرفاهية الشعب والبناء الوطني، هو الذي يقود “الثعالب” و”أبالسة” السياسة المتصارعين إلى أخذ السلطة بالقوة وبالحيل والتآمر والحرب والتدمير، ولهذا يستخدمونها دائماً وسيلة للتدمير والتآمر والضرب تحت الحزام بدلاً من كونها وسيلة للحكم الرشيد.

(3)

ستكون فرحتنا بالانتصار منقوصة، وستكون فرحتنا بنهاية الحرب لا معنى لها إذا لم يصحح “الساسة” مفاهيم السلطة وأهدافها. وإذا لم نُنهِ أسباب الصراع حول السلطة بالوصول إلى صيغة ثابتة لتداول السلطة، وإذا لم نضع حداً للإقصاء وكراهية الآخر واستخدام السلطة للانتقام وتصفية الحسابات السياسية والشخصية واحتكار الموارد والمال العام، إذا لم نفعل كل ذلك لا يتوجب علينا أن نفرح بل يجب أن نستعد لآلام وأحزان جديدة طالما أن أسباب الحرائق لا تزال باقية.

(4)

السلطة هي وسيلة للحكم، فإما أن يكون حكماً رشيداً يسوده العدل ويرسخ ويعزز سيادة القانون وتصبح الدولة حينها دولة مؤسسات.

وإما أن يكون حكماً دكتاتورياً شمولياً يسوده الظلم والفساد، وتصبح الدولة أشبه بدولة الإقطاعيات والمافيات و”البلطجة”.

(5)

الشخص سليم الوجدان والفطرة سيختار بلا شك دولة المؤسسات وسيادة القانون لأجل العدل ونفوراً من الظلم والفساد لأن فطرته السليمة تعاف التسلط والاستبداد والظلم والفساد الذي يعشعش ويفرخ في بيئة الشموليات والدكتاتوريات، ولهذا يقودها وجدان السليم إلى التوافق على صيغة التداول السلمي للسلطة المدنية.

(6)

بالمقابل، فإن الشخص المنحرف لا يمتلك أي حساسية تجاه الدكتاتوريات والشموليات لأنها تنسجم مع طبيعته المنحرفة التي لا تمقت الظلم ولا الفساد ولا الاستبداد والقهر، ويستطيع أن يتأقلم معها ويشارك فيها ويجد فيها متكأً وسبيلاً إلى التملق والتزلف وممارسة الانتهازية والدجل والشعوذة، بخلاف أنظمة الحكم الرشيد التي يسودها العدل والقانون.

(7)

أنت من تختار لنفسك في أي المواضع تحب أن تقف. كما يجب أن تسأل نفسك: هل الحكم الرشيد والعدل ومكافحة الفساد والظلم يتأتي دون تضحيات؟

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها **

إن السفينةَ لا تجري على اليَبِس.

فإذا كنت ذا قناعة بالحكم الرشيد ودولة القانون لابد أن تجهر بصوتك وتقول لا في وجه الظلم والفساد. الصمت يحفز على استمرار الظلم والفساد، والطغاة إنما يصنعهم الجبناء.

(8)

إن تجربة ميليشيا الدعم السريع وما أوصلتنا له يجب ألا تمر مرور الكرام، ولابد من أخذ الدروس والعِبَر.

ويجب ألا نسمح بوجود مناخ يساعد على إنتاج تلك التجربة المريرة مجدداً.

إذا أردنا أن نغلق هذا الباب لابد من التمسك بدولة القانون والحكم الديمقراطي الرشيد.

يجب ألا نلقي بالاً للدعاية الفارغة التي تزعم أن الوقت مازال مبكراً للحكم الديمقراطي، فتلك دعاية الشموليين والدكتاتوريين يجب ألا تنطلي على أحد. تمسكوا بالديمقراطية والحكم الرشيد ودولة القانون والمؤسسات ذلك هو الطريق الوحيد للخلاص من الصراع المجنون ونتائجه الكارثية المريرة.

انظروا كم هي خسارتنا الوطنية في هذه الحرب الناجمة عن الصراع السلطوي على كرسي الرئاسة والطموحات الشخصية، فلو أننا رسخنا لتجربة الحكم الديمقراطي وجعلناه ثقافة مشاعة بيننا بالإعلام والمناهج التربوية لما وصلنا إلى ما نحن فيه الآن. فاظفر بالحكم الرشيد ودولة القانون تربت يداك، فأنت الذي تختار وتدافع عن خيارك لا أحد سواك…

اللهم هذا قسمي فيما أملك.

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!