(1)
لا أرى عاقلاً أو بشراً سوياً يهفو قلبه وتتوق نفسه لاستمرار الحرب حتى وإن ضمن نتيجتها لصالحه، وذلك لما لها من فظائع وأثمان باهظة..
أجزم أن كل شخص سليم الفطرة مع إسكات صوت البنادق ووقف الدمار ووضع حدٍ لمسلسل تدمير الوطن وتشريد شعبه…
أعلم يقيناً أن الناس أجمعين تلتقي غاياتهم عند محطة إنهاء الحرب وعودة الأمن والإستقرار ،ولكنهم يختلفون في كيفية سيناريو نهاية الحرب..
(2)
نعم الكل متفقون على مبدأ وقف الحرب ويتطلعون إلى نهايتها ولكن لكلٍ طريقة تفكير في إيقاف الحرب تختلف عن الآخرين ..فمن الناس من يريدُ نهاية الحرب بانتصار الجيش وهؤلاء الأغلبية بلاشك لما لاقوا من ويلات وأوجاع ولإنعدام المقارنة بين الجيش الرسمي والميليشيات..
ومنهم من يريد لها نهاية بإنتصار ميليشيا الدعم السريع، وهؤلاء قلة قليلة..ومنهم من يريد نهايتها بإتفاق سياسي على طاولة المفاوضات بحسابات سياسية..
(3)
الآن هناك تطورات كثيرة حدثت في المشهد وادت إلى الكثير من التحولات في المواقف إزاء الحرب، جعلت رغبة غالبية أهل السودان تكمن في تصفية وتفكيك “الدعم السريع” سواءً أكان ذلك حرباً في الميدان وتجييش الشعب، أو سلماً على طاولات التفاوض.. بحيث يضمن ذلك عدم وجود مستقبل سياسي لقوات حميدتي في السودان، وهذه الرغبة يعبر عنها تيار عريض من السودانيين بالدعوة لاستمرار الحرب حتى القضاء على هذه القوات الجانحة الجامحة وإن استغرقت الحرب عدة سنوات، حتى لو أدى ذلك لأسوأ السيناريوهات المحتملة، ولعل هناك مؤشرات كثيرة تعكس تمدد هذه الرغبة لدى قطاع واسع وسط السودانيين بعد توسع مجازر وانتهاكات قوات “حميدتي” وسط المدنيين العزل ونهبهم وتهجيرهم قسرياً، والتي آخرها مجازر الهلالية ومدن وقرى شرق الجزيرة..
(4)
من أهم التطورات التي حدثت وعززت رغبة الأغلبية في تفكيك وتصفية “الدعم السريع”، بروز عوامل موضوعية ومقنعة دفعت الناس دفعاً إلى الرغبة الملحة في تفكيك وتصفية هذه الجماعات المسلحة غير المنضبطة، ومن هذه الأسباب إجمالاً:
أولاً: تحوَّل هذه القوات إلى قُطَّاع طرق وعصابات منظمة تمارس عمليات النهب والسرقات والقتل في أوساط المدنيين، وذلك بعد فقدان السيطرة المركزية عليها.
ثانياً:استعدت هذه الجماعات المسلحة المواطن وجعلت حربها ضد المدنيين وتهجيرهم وتشريدهم وتعطيل حياتهم ونشاطاتهم الزراعية والتجارية، ما أضر بحياة المدنيين بصورة فظيعة.
ثالثاً: جنوح هذه الجماعات المسلحة إلى التصفيات العرقية وارتكاب المجازر على أساس إثني وقبلي في كثير من المناطق.
رابعاً: استقواء هذه الجماعات بأكابر وعتاة المجرمين ومترديي السجون، والهاربين من العدالة واستيعابهم في صفوفها المقاتلة ومنحهم رتباً عسكرية، كل ذلك جعل هذه القوات نموذجاً سيئاً للإرهاب وارتكاب كل الموبقات والانتهاك وجرائم الحرب.
سادساً: اقتحام مدن وقرى لا وجود فيها لجيش أو قوة مقاتلة بغرض النهب والسرقة وتهجير المواطن.
(5)
التطورات أعلاه والتي سبقت الإشارة إليها دفعت أيضاً إلى إنقسام صفوف دعاة وقف الحرب إلى قسمين..
قسم يريد إسكات صوت الرصاص عن طريق تسوية سياسية تستوعب الجيد من قوات حميدتي في الجيش القومي وتُبعد السيء مع المحاسبة دون أن يكون هناك وضع سياسي لهذه القوات..
والقسم الثاني يرى تصفية وتفكيك هذه القوات ليس بالحرب بل عن طريق التحرك السياسي والدبلوماسي على أوسع نطاق وتجفيف منابع دعمها ومحاصرتها ديبلوماسيا وحض العالم على معاقبتها وفضح ممارساتها وانتهاكاتها البشعة لتكون معزولة ويتم تصنيفها جماعة إرهابية..
أما قوات حميدتي (هي ما شاء الله عليها) في كل مرة تقدم أدلةً وظروفاً جديدة لإستيفاء شروط هذا التصنيف الذي لم لايختلف عليه إلا مكابر ومرائي..
(6)
في تقديري أن أنجح الأسلحة في المعارك واقلها تكلفة وأسرعها وصولاً للهدف هي الأسلحة السياسية والاقتصادية والديبلوماسية، وهو أمر لايتناقض والدفع بالقوة العسكرية وتأمين المواقع والموطن..
فاظفر بأذكاها تربت يداك…اللهم هدا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.