(1)
فُجعت الدندر برحيل (المُر)، وتوشحت ثوب السواد برحيله “المُر” وبكى زملاؤه المعلمون بقلبٍ صديع، كأنما هم أطفالٌ يافعين، وبكاكَ يامُرُّ طلابُك بخاطر كسير، ودمعٍ سخين ..
وما استعصى دمعٌ على باكٍ بكاكَ إذ تعرَّف على جميل خصالك، فبكوا جميعاً واستَبْكوا من لايعرفك فبكى لبكائهم عليك وفقدك المُر..
كيف لا..؟ وقد كنتَ فيهم مربياً ومعلماً وشعلة من النشاط الإجتماعي والعمل العام والطوعي ساعٍ في هموم الناس وحاجياتهم وشواغلهم..
(2)
علم اللهُ أن عشيرتك الأقربين وزملاءك المعلمين وإخوانك في مجموعة أبناء الدندر للتعمير وطلابك الأوفياء سيُفجعون بنبأ الرحيل المفاجيء فخفف عليهم الله وطأة الحزن النبيل فأثابهم فتحاً ونصراً إذ جعل في يوم رحيل أستاذ الأجيال المربي محمد بشير المُر عودة (دندر الخير) إلى أحضان أهلها بعد فراق استطال ليلُه البهيم باالأوجاع والآلام ومرارات التشرد، وما ذاك إلا تخفيفاً من الله ورحمة لألم فِراق مربي الاجيال محمد بشير(ودالمُر) الذي عرفناه معنا في مجموعة أبناء الدندر للتعمير ساعٍ بالخير وفي الخير سائراً في دروبه متجرداً ناكراً لذاته ينجز بهدوء وبلاضجيج يفتح بيته ومكتبه للإجتماعات وماتخلف يوماً عن إجتماع، ولا قصُرتْ همته لحظةً عن عمل خير ولامسعىً طوعي فيه صلاح الناس ..عربته ومكتبه ومنزله ووقته وجهده كله في الخير.
(3)
علم الله أن الفقد ثقيل على نفوس أحبابه الكثُر فجعل في يوم رحيله بشرى تطغى على كل الأحزان ..بشرى تخفف وطأة الحزن على كل الذين فقدناهم شهداء ليس في الدندر وحدها بل على إمتداد وطننا الجريح..
فكانت عودة الدندر إلى أحضان أبنائها بشرى طغت على كل أحزاننا على فراق أحباب أعزاء بعضهم وُوري الثرى وبعضهم تُرك أشلاء للكلاب الضالة والبعض مازال في عداد المفقودين، والأغلبية حصدتهم مخالب الكوليرا والجوع وأمراض سوء التغذية بسبب الاحتلال والحصار المضروب عليهم..
وهناك من المرارات والآلام ما هو ثقيل على اللسان، فضلاً عن أوجاع التشرد والنزوح التي لامست كبرياء ماكان لسوء أن يمسها لولا التشرد والنزوح من أرض الميلاد والأجداد إلى بقاع لاتعرفك إلا نازحا شريداً تزيدك أوجاعاً إلى أوجاعك وتصليك ناراً من حمى الأيجار والأسعار..
كل تلك الأحزان تلاشت مع طبول النصر والاحتفاء بعودة الأم الرؤوم إلى أحضان أبنائها البررة..
(4)
عادت المدينة الوادعة الحبية من براثن الغدر والخيانة ليكون ذلك درساً قاسياً نستلهم منه العبر والعظات..ليترك الناس الغفلة والسذاجة والبساطة القاتلة.. وليدركوا وكما قلناه من قبل سقوط الدندر…أن المدينة الوادعة تحتضن الأفاعي ولا محالة إنها لادغتها وقاتلتها.. لأن من يربي الحية الرقطاء فليهيء نفسه ليكون أول ضحاياها..
(5)
اللهم أرحم الأستاذ الفاضل محمد بشيرالذي كان اكثرنا لهفة لتحرير الدندر وكل شهداءنا الأبرار الذين مهروا الأرض بدمائهم الطاهرة، وكل المغدورين والمبطونين ..شهداء الغدر والخيانة، والكوليرا .. ونسألك اللهم نصراً وفتحاً واستقرارا وأمناً لبلادنا…
اللهم هدا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك عي الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين