الكتاب

جعفر عباس يكتب: بيني وبين جبرا

صوت السودان

قبل حين من الدهر، لفت انتباهي على الإنترنت، كاتب سوداني فذ، حلو الروح، يتناول مختلف القضايا بلغة ساخرة ساحرة وجسورة، وفي أول إجازة لي في السودان بعدها سألت عنه، ثم داهمته دون سابق إخطار في منزله في ذات زقاق في بيت المال، وكانت تلك بداية توأمة بيني وبين جبرا.

تعرفت أيضا على زوجته وفاء، وعلى طفليه ناجي ونشوى: وفاء قبطية مسيحية، وبنت بلد ام درمانية، تعوس الكسرة وتطبخ التقلية وتكنس وتغسل وتكوي، وجدها بولس المسيحي ابن بيت المال هو من بنى خلوة في بيته لتعليم القرآن، كان شيخها الفكي النور أبو حسبو، وكانت معروفة بخلوة بولس، ولم يكن ذلك يثير ضغائن او استنكارا في سودان التسامح والتعايش.

كان الفاتح جبرا رحمه الله إنسانا في منتهى الجدية في كل شيء، بل كان غاضبا في معظم الأوقات، لا لسبب شخصي، ولكن لبؤس الأحوال في البلد، ومن ثم فلا غرو في أنه كان أكثر الكتاب الساخرين ارتباطا بالقضايا العامة، وأكثرهم شجاعة في النضال بالكلمة، حتى صار صوت من لا صوت له، وفي نفس الوقت سوطا على ظهور الفاسدين، وبسبب ذلك تعرض للملاحقات القانونية، والمضايقات الأمنية
ربطتني بمعظم الكتاب الساخرين في بلادي علائق ود صادقة: د. فتح العليم ود. البوني، وفاطمة محجوب كرار، ومنى سلمان، وهناء إبراهيم، واسامة جاب الدين، ووجدي الكردي، ومن على البعد بطه مدثر وعبد اللطيف احمد (ضفاري)، ولكن كان جبرا أقربهم الى قلبي، ازوره في البيت ويزورني بانتظام، وكان كلانا لا يقبل استضافة في قناة تلفزيونية، ما لم يكن الآخر ضيفا معه، وكنا بدون سابق ترتيب، نكمل جمل وأفكار بعضنا البعض، في مناخ من المشاكسات الودودة، حينما مثلا يزعم ان أباه هو الذي نبهه الى كتابات جعفر عباس، طاعنا في ادعاءاتي المتكررة بأنني ما زلت شابا، او يقول عني انني اكتب فقط بالدولار
رحم الله هذا الفارس الذي ترجل عن صهوة الجواد الذي كان يخوض به “الحوبة” شاهرا سيفا طريا يغمز به الأجناب فتنفرج الوجوه بالابتسام وتنفجر الحلوق بالضحك المدوي. جعلك الله من أصحاب اليمين يا صاحبي العزيز الودود الخلوق

ويا صديقي الميت الحي كموتي وحياتي/ أرضعتني أمك السوداء يوما/ أمك السوداء والسمراء آوتني يتيما/ أرضعتني وبكَتني/ يوم فوجئت بقطاع الطريق القتلة/ فلتمارس أمنا الثكلى بكائي وبكاءك/ ريثما يولد أبناء القرون المقبلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى