تقارير

حرب السودان.. محرقة الإمارات والسيناريوهات المحتملة

قراءة :أحمد يوسف التاي

(1)
شهد ملف الحرب والسلام في السودان تطورات جديدة على الصعيد الدولي، كانت بمثابة النُقلة الكبرى، والتحولات الكبيرة في الموقف الدولي …هذه التحولات الكبيرة تبدو ماضية لصالح الجيش السوداني وتحاصر في الوقت نفسه ميليشيا الدعم السريع، ودولة الإمارات في نطاق ضيق للغاية..

وبقراءة فاحصة للموقف الدولي الجديد يدرك المراقب السياسي أن هذا الموقف بدا يتجه نحو إدانة “الدعم السريع” والميل إلى تسميتها “ميليشيا“، وفي نفس الوقت يطالب دولة “الإمارات” بإيقاف دعمها لها، مايعني أن هذا الموقف الدولي الجديد الذي بدأ يتبلور قفز من محطة الشكوك في الدعم الإمارتي إلى مرحلة اليقين، ولعل ذلك يبدو جليا في تحولات الموقف الأمريكي بعد ضغوط الداخل على البيت الأبيض، وكذلك موقف الاتحاد الأوربي من خلال بيانه أمس الأحد، والموقف الذي ابده بعض لوردات مجلس العموم البريطاني.

(2)
قبل أن نقرأ معاً أسباب ودوافع هذه التحولات في بعض المواقف الدولية المؤثرة يجدر بنا أولاً أن نقف على حقيقة مجردة وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت كثيراً واجتهدت في إخراج حليفتها الخليجية من ورطتها في تمويل الحرب في السودان إلا أنها أصطمدت بموقف لم يكن في حسبانها من جانب الجيش السوداني الذي تخندق في مواقف صلبة رغم التهديدات الأمريكية بالعقوبات وتجميد الأسلحة والتهديد بالبند السابع، لتصبح المحصلة النهائية هي تراجع الحماس الأمريكي لإنقاذ أبوظبي من الورطة.

(3)
بإلقاء نظرة عامة للمشهد السوداني وتطورات الأزمة، وبقراءة المعطيات الراهنة نحاول الوقوف على أسباب التحول في مواقف بعض الدول المؤثرة في إتجاهات الموقف الدولي العام خاصة الموقف الأمريكي، ودول الإتحاد الأوربي ولاسيما الموقف البريطاني الذي كان يعد الأكثر سفوراً على مستوى القارة العجوز.

وفي تقديري هناك عدة أسباب ودوافع وظروف محيطة أثرت في ميلاد التحولات الكبرى في مواقف الدول المشار إليها ، ويمكن إستعراض تلك الأسباب والدوافع على النحو التالي:

(4)
أولاً:
من أبرز تلك الأسباب الفظائع والانتهاكات الوحشية التي ارتكبتها “الدعم السريع”، وهي فظائع صنفتها تقارير أممية على أنها ترقى لجرائم الحرب والإبادة الجماعية والتصفيات العرقية وإعمال المجازر في المدنيين العزل وحالات الاغتصاب ونهب ممتلكات المواطنين ورغم أن الدعم السريع حاولت إسناد تلك الفظائع لمتفلتين إلا أن المنطق والعقل يقولان أنها تظل هي المسؤولة عن كل تلك الفظائع بشكل أساسي..

الفظائع والانتهاكات تلك وتهجير المواطنين واحتلال منازلهم أحرج كثيراً من الدول التي تدعي حماية حقوق الانسان وفرض عليها إدانة هذا السلوك علناً ، وإعلان البراءة من مقترفيه.

(4)
ثانياً
الموقف الصلب للجيش السوداني والإنتصارات العسكرية الحاسمة التي حققها على الأرض في بحر الأسابيع الثلاثة الماضية، خاصة في محور الفاشر، إذ كان لكل ذلك الأثر الكبير في إعادة حسابات بعض الدول التي كانت تقف على الرصيف وتتوقع غير الذي حدث مما لاتشتهي سفنها.

(5)
ثالثاً:
توجه السودان شرقاً نحو روسيا والصين وإنهاء القطيعة الدبلوماسية مع إيران، والتلميح بفتح خطوط التواصل مع كوريا الشمالية، كل ذلك شكل توازنا مهماً في المعادلة الدولية وصراع المصالح ما جعل الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي تتجه لإعادة الحسابات بشأن التعامل مع الملف السوداني.

(6)
رابعاً:
الضغوط الداخلية التي مورست على كثير من الدول كان لها دورا مهما في التراجع عن سفور المواقف، وهي ضغوط مضت باتجاه إدانة “الدعم السريع” ودولة الإمارات الداعمة لها، ومن أبرز تلك الضغوط :الصحافة الغربية التي كشفت فضائح الإمارات وتورطها في حرب السودان ،بشكل أدخل واشنطون في حرج كبير، ومن أمثلة ذلك تحقيقات وتقارير صحف أمريكية وبريطانيا مثل ( واشنطون بوست، نيو يورك تايمز، التايمز البريطانية، وول استريت جورنال الامريكية)..
ومن الضغوط على الادارة الامريكية ايضاً المطالبات المستمرة للكونغرس بمعاقبة الدعم السريع والإمارات وكان آخرها مذكرة النواب الخمسة التي سبقت لقاء بايدن ومحمد بن زايد اليوم الاثنين..كل تلك الضغوط دفعت لتحول الموقف الامريكي، وكذلك الأوربي وخاصة البريطاني الذي تعرض لضغط مماثلة صحافية ونيابية.

(7)
خامساً:
ومن ابرز المؤثرات في تحول الموقف الدولي ايضاً الفضيحة الضجة التي أثارها الاتحاد الدولي للصليب الأحمر الذي اتهم الإمارات باستغلال العمل الإنساني واتخاذه غطاءً لمد الدعم السريع بالأسلحة، وهي أكبر فضيحة تتعرض لها دولة خلال الثلاث عقود الماضية بعد كشف زيفها وخداعها وهي تلعب لعبة قذرة تظهر من خلالها راعية للسلام وقائمة على المساعدات الانسانية وفي نفس الوقت تمد الدعم السريع بالمال والاسلحة والمسيرات وأجهزة التشويش .

قد تكون هناك أسباب أخرى غير ظاهرة، أو ثانوية أو فرعية، لكن تظل تلك الأسباب الخمسة هي محور التحولات التي حدثت في مواقف تلك الدول.

(8)
وتأسيساً لما سبق يمكن القول أن الولايات المتحدة الآن أمام خيارين إما أن تجد مخرجاً الآن لإنقاذ الإمارات من الورطة والإدانة من خلال المحاولة الأخيرة التي تجري حالياً مع البرهان في نيويورك، أو أن تنفض يدها بعيدا عن حليفتها الخليجية.

وأما بخصوص “الدعم السريع” فإما أن تنجح التحركات الأمريكية في إعادة الأطراف للمفاوضات أو ان تخلي هي والاتحاد الأوربي عن الدعم السريع وحينها ستجد الأخيرة نفسها في موضع حرج للغاية إذ من المحتمل أن تواجه موقفاً دولياً موحداً يسعى لإدانتها وتصنيفها كجماعة إرهابية خاصة بعد تصاعد الدعوات الدولية لفك حصارها للفاشر التي تئن الآن تحت وطأة الحصار والجوع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى