(1)
تقول الطرفة أن رجلاً بسيطاً اسمه بخيت ..هذا البخيت وبينما الناس متحلقين يتبارون في رؤية هلال رمضان ،ظفر برؤيته هو وحده، فطفق الناس يمطرونه بكلمات الإطراء والثاء من شاكلة:والله ما شاء الله بخيت شاف الشهر..ويأتي فوج يسأل: الشهر الشافو منو؟..فيجيبون الشهر شافوا بخيت، والله ما شاء الله بخيت نظرك ستة على ستة..والحكاية دي عجبت بخيت شديد فقام قال للناس :داك تاني واحد..
(2)
الأسبوع قبل الماضي كنتُ أطريتُ من خلال هذه الزاوية على السيد والي الخرطوم أحمد عثمان، في مقال بعنوان (أخجلوا بس من والي الخرطوم) وضربنا به المثل لنموذج رجل الدولة المثابر المبادر الصلب ، وبيّنا البون الشاسع بينه والولاة الآخرين فكان الفرق شاسعاً…لكن الوالي أبى إلا أن يعيد لأذهاننا طرفة بخيت ود العرّاف..
(3)
بعد ثلاثة أو أربعة أيام من ذلك المقال، أقام والي الخرطوم ورشة عمل ببورتسودان دعا لها الخبراء وسودت لها صفحات أوراق العمل وهيلمانة وسفر وفود وصرف على الورشة.. الورشة مخصصة لإعمار ما دمرته الحرب بالولاية من البنيات التحتية.. بالطبع تذكرتُ الطرفة أعلاه وأنا أقف على تفاصيل ورشة إعمار الخرطوم واختلال سلم أولويات الوالي في هذا الصدد..
(4)
بكل تأكيد الأولوية الآن ليست للصرف على إعمار البنيات التحتية وإعادة ترميم وتشييد المباني الحكومية والمرافق العامة بينما السماء تمطر قذائف بقدر ما أن الأولوية للصرف على حماية المواطنين من النهب وبسط الأمن وتأمين المأكل والمشرب والخدمات الضرورية من تعليم وصحة وتوفير ضروريات الحياة للنازحين والعائدين لديارهم من مراكز النزوح.
(5)
هناك تجربة عملية في مستشفى الدايات الذي صرفت الحكومة على تشييده وإعادة ترميمه المليارات وبعد إفتتاحه مباشرة أرسلت الميليشيا حمما من قذائفها فجعلته كالرميم..
هذه تجربة عملية تؤكد عدم جدوى إعادة الإعمار قبل نهاية الحرب.. فهل ستعمر ولايتك يا والي الخرطوم للدانات والقصف العشوائي..أما كان الأولى الانتظار إلى حين أن نقلب صفحة الحرب والدمار أولاً..
(6)
الظروف الآن غير مواتية لإعادة بناء المؤسسات وإعمار مادمرته الحرب..لأن الحرب لم تنته بعد، وذات الحرب التي دمرت البنيات التحتية يمكن أن تدمِّر ما يتم ترميمه وتشييده مجددا، ويمكن أن يكون ما أُعيد ترميمه هدفاً دون غيره لإلحاق الخسائر بالبلاد.
إن ترتيب الأولويات هو من صميم عمل الإدارة الناجحة
خاصة في ظل شح الموارد والندرة التي تعيشها البلاد..
ففي مثل هذه الظروف الأفضل لولاية الخرطوم الصرف على بسط الأمن والقضاء على حالات النهب والسطو وقطع الطرقات التي تشهدها الولاية حاليا ، بدلاً عن الصرف على تشييد مؤسسة حكومية ترسل لها الميليشيات المقذوفات لتدميرها لتتناثر مليارات الدولارات مع رماد الأنقاض..
يا والي الخرطوم دعوا الحرب تتوقف اولاً وبعدها أعيدوا بناء القصور والمباني الشاهقات وعمروا مادمرته الحرب، ولكن الصرف على الإعمار تحت ظل القصف عمل محفوف بالمخاطر واختلال الأولويات..
عدم ترتيب الأولويات في الظروف العادية هو في حد ذاته فشل ذريع فما بالك في ظروفٍ استثنائيةٍ حرجةٍ كهذه…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.