الكتاب

أحمد يوسف التاي يكتب: الدرس القاسي..لم يتعلم أحد (2)

نبض للوطن

 

(1)
في المقال الفائت أشرنا إلى الخطأ الكبير الذي وقعت فيه القوى السياسية وكذا المؤسسة العسكرية على الصعيد السياسي، وكأنهما لم يتعلما شيئاً من النكبة التي حلت ببلادنا ولم يعرفا أسبابها..وأنا هنا لا أتحدث عن الجانب الميداني للمؤسسة العسكرية، لأني لستُ ملماً به ولست متخصصاً فلميدان ظروفه وتقديراته الخاصة التي لا يعلمها إلا أهل الميدان وأهل الإختصاص.

لكني بكل تأكيد اتحدث عن الأمراض السياسية التي استعصى على السياسيين والعسكريين التخلص منها، والتي حالت دون الإستفادة من دروس الحرب الحالية..

ومن أكبر النكبات عجز الجانبان التخلص منها، هي أن بعض القادة العسكريين مازالوا يتبنون خطابا إعلامياً متشددا لبعض القوى السياسية؛ وبعض الساسة مازلوا يعتمدون سلاح الإقصاء لتأديب الخصوم السياسيين..

ولهذا نرى نفس الأسباب التي أدت إلى الحرب، ونفس الظروف التي اوجدت الدعم السريع ، ونفس العقلية التي انتجت تلكم السياسات العقيمة والأزمات الحالية التي يدفع ثمنها المواطن السوداني وحده في الوقت الراهن..كل تلك الإسقاطات بدت تتراءى الآن ويحاولون إعادة إنتاجها دون إستلهام العبر والدروس والعظات مما حدث..
(2)
إذا تمكنت تلك الظروف من إعادة نفسها وعادت السياسات والعقليات القديمة المتكلسة للمسرح وأمسكت بذمام الأمور..فإننا وبكل يقين سنشهد عمليات إقصاء وعزل جديدين ..

وتمرداً جديداً..ونُسخاً أخرى من الدعم السريع، وتفريخ المزيد من الميليشيات، والاستقواء بالقبيلة والتعصب لها على حسب الانتماء للوطن، لتبدأ دورة جديدة من المسخ المشوه من صور الحكم البائسة..

عزلٌ وإقصاءٌ ينتج تمرداً ونزاعاً وحروباً مدمرة، ثم تسوية سياسية وصفقات، ومحاصصات لتقسيم مغانم السلطة والثروات العامة، وترضيات وموازنات..وغبنٌ ومرارات لدى الذين وقع عليهم الإقصاء والعزل ليكون المحصول النهائي نزاعات وحروب واستمرار دورات العنف وعدم الاستقرار..وهكذا تدور الساقية.
(3)
إذا عادت لاقدر الله تلك السياسات والعقليات العقيمة التي لاتتعظ ولاتراعي إلاً ولا ذمةً للوطن ، ولاتعي القيمة الحقيقية للاستقرار ومغزاه، بالتأكيد سنشهد المزيد من الحروب لأن العقلية المتخلفة التي لاتنظر لمستقبل الأوطان وامجادها إلا من خلال مصالحها الضيقة، وطموحاتها السلطوية ومنافعها الذاتية ورفاهيتها الخاصة لاتعرف غير هذا ،ولاتعرف قيمة الاستقرار إلا إذا كانت هي التي تهيمن على مقاليد الأمور ،ولا عزاء عندها للموتى والثكالى والأرامل والأيتام والمشردين من اوطانهم والمطرودين من منازلهم.
(4)
متى يتعلم هؤلاء أن الإقصاء والعزل السياسي هو سبب كل المصائب والكوارث التي نعاني آلامها اليوم…

متى يتعلم هؤلاء أن السياسات الأحادية العقيمة والعقليات الأمنية المتسلطة، والإزدراء بالآخر وعدم قبوله هي البيئة المنتجة للخراب والدمار وتغذية الأزمات،على النحو الذي ورد ذكره.
(5)
سنطوي معاً صفحة الحرب يوماً ، ولكن ماذا بعد طي تلك الصفحة السوداء..هل سيعودون للمسرح بذات العقليات المنتجة للكوارث والدمار والخراب، والاستقطاب الحاد والاصطفاف السياسي الهتافي الهلامي ..هل سيعودون للمشهد بذات السياسات التي استولدت الدعم السريع والحروبات، والصراع العقيم.

أم سيعون الدرس ويستخلصون النتائج..
ويتفقون على أسس جيدة لإدارة الإختلاف والتنوع واحترام الآخر والاعتراف بحقوقه السياسية والدستورية، والتخلص من عقليات التدمير والخراب والسياسات الفاسدة..هذا هو مدخل الاستقرار الحقيقي وبناء الوطن على أسس متينة من قيم العدل والطهر والنزاهة والاخلاق والمباديء الانسانية..

اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى