(1)
تحت العنوان عاليه ، وقبل أيام من إنقلاب 25 اكتوبر 2021 كانت قيادات رفيعة بالجيش من بينهم رئيس هيئة الأركان يُحدثون مجموعة من الصحافيين كنتُ ضمنهم في لقاء ، عن استحالة حدوث أي انقلاب عسكري في ذلك الوقت ويستبعدون ذلك تماماً ويُرجعون إستحالة حدوثه لسبب واحد وهو أن المجتمع الدولي يرفض أي انقلاب ولن يدعمه في أي مكان من العالم …
عشية اللقاء كتبتُ مقالاً منشوراً بصحيفة الإنتباهة بتأريخ 7سبتمبر2021 جاء فيه:( الحديث عن استبعاد الانقلاب في رأيي يجب ألا يؤخذ مأخذ اليقين حتى لا ينام الناس على هذه “النغمة” ويتوسدونها أحلاماً وردية، فقد كان رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي أكثر يقيناً من عدم حدوث أي انقلاب عسكري ، فكان كلما حدثوه عن انقلاب وشيك من “الجبهة” يسخر من ذلك ويرد بأنه واثق من عدم حدوث أي انقلاب حتى وقعت الواقعة…
(2)
في الوقت الذي يتظاهر فيه المجتمع الدولي بأنه ضد الانقلابات العسكرية وأنه سيعزل أية حكومة تأتي عن طريق الانقلاب، تتصل الخيوط السرية لتكشف في خاتمة المطاف أن القوى التي تسمي نفسها (مجازاً) بالمجتمع الدولي هي التي تصنع الانقلابات في العالم الثالث وهي التي تدعم الحكومات الانقلابية بصورة أو بأخرى وهي التي تعطيها الضوء الأخضر للانقلاب والإذن بساعة الصفر للتنفيذ وهي التي تغرقها بالوعود الكاذبة لاستدراجها، حتى إذا ما حدث الانقلاب فإما أن تستخدمه مبرراً للتدخل في تلك الدولة وتدميرها، أو أنها تدعم الانقلابيين سراً وتدفعهم للتنكيل بخصومهم وتنفيذ أجندة تلك القوى الأجنبية… ولهذا يجب ألا تغرنكم مقولة أن عهد الانقلابات العسكرية قد انتهى وأن المجتمع الدولي لن يسمح بالانقلاب… وهل أذكركم بأحدث انقلاب عسكري حدث في غينيا قبل يومين بدعم سري من قوى فاعلة في المجتمع الدولي ، وقد حدث الانقلاب بعد إطلاق نار كثيف في العاصمة واحتجاز الرئيس الغيني ألفا كوندي..
(3)
كثير من المعطيات وقرائن الأحوال تشير الآن إلى تجهيز المسرح وتعبئة الشارع السوداني لقبول الانقلاب العسكري ، فحالة السيولة التي نشاهدها الآن وارتخاء القبضة الأمنية وزعزعة أمن الناس حتى داخل أحيائهم ومنازلهم والنهب الذي يحدث نهاراً والمطاردات بـ”التاتشرات” بدون لوحات… كل ذلك يحدث مع سبق الإصرار والترصد لتبرير الانقلاب على ثورة ديسمبر ، هذا فضلاً عن استمرار فوضى السوق وانفلات الأسعار التي اصبحت بلا كابح مع استمرار الضائقة المعيشية وانعدام الأمن والأمان… كل ذلك يحدث بتدبير وتخطيط محكمين لاكتمال ظروف وأسباب ومبررات الانقلاب الذي أكاد أشتم رائحته النتنة مع كل زخة “مطرة” أو نسائم ما قبل الفجر…كانت تلك جزئية من مقال طويل كتبته يومها وقد حدث ما حذرنا منه وتوقعناه تماماً…
(4)
الآن وبعد مرور ثلاثة أعوام على ذلك المقال..سيجد القاريء الكريم بدل إنقلاب واحد حدث إثنان.. بعد شهر واحد من نشر المقال وقع انقلاب 25 اكتوبر وأطاح حكومة حمدوك …نجح الانقلاب في إزاحةحمدوك والقوى المدنية وفشل بعدها في كل شيء ولم يستطع حتى تشكيل حكومة …
وجاء بعده انقلاب 15 ابريل…الذي فشل في الاستيلاء على السلطة، لكنه نجح في إشعال حرب قضت على الأخضر واليابس…حربٌ كان ضحاياها من الاطفال والنساء والعجزة المدنيين يفوق حد التصور، ارتكبت فيها الدعم السريع إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً في الجنينة ، ومجازر فظيعة في الجزيرة والطينة والفولة وآخرها سنار مساء أمس …حربٌ اوجدت حماية وحصانة لعتاة المجرمين لارتكاب أبشع وافظع وأقذر الجرائم فضلا عن السلب والنهب والسرقات…حربٌ دمرت كل البنيات التحتية للدولة السودانية…حربٌ كان من نتائجها أيضا إخراج المواطنين من بيوتهم وتهجيرهم وتشريدهم وإفقارهم، وهناك الكثير من الخسائر والآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي لا تُحصى.
(5)
أما حكاية المجتمع الدولي الذي يرفض الانقلابات العسكرية ولايدعمها بأية حال فتلك فرية كبرى…في المقال الإرشيفي أعلاه كنتُ قد قلتُ يومها مقالةً في هذا الخصوص واليوم بعد مرور السنوات الثلاث على المقال ألفت عناية جنرالات الجيش الذين كانوا يحدثوننا يومذاك بكل ثقة وتأكيد عن أن” المجتمع الدولي” لايدعم أي انقلاب عسكري وأتساءل اليوم :هل وجدتم القوى المسماه مجتمع دولي تدعم الانقلابات أم تحاصرها وتضيِّق عليها؟ فأنتم أدرى بالإجابة…. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله ، وثق أنه يراك في كل حين.