(1)
قبل أن يفيق سكان مدينة الدندر بكل أحيائها من هول صدمة سقوط عاصمة ولايتهم “سنجة”،حتى سمعوا “قعقعة” السلاح تصك الآذان داخل سوق المدينة بعد ساعات من سقوط سنجة،فلم تمهلهم الأقدار ليتسقطوا أخبار جارتهم ليفكروا بالنزوح فكانت المفاجأة أن وجدوا جحافل “التتار” تنتشر بينهم، فقد كانت تعيش بين ظهرانيهم ،وأما المدينة الغافلة فقد كانت تضمهم على صدرها الحاني وما كانت تدري أي شر ضمت ..
لقد كانت مدينة الدندر تحتضن الخلايا النائمة وتوفر لها العمل في أسواقها والمأوى والمأكل والمشرب ولاتدري أي حية رقطاء تأوي داخل البيت، فكان جزاؤها فعلا جزاء من يربي أفعى سامة يطعمها ويسيقها ليلقى حتفه في قطرة من سمها الزعاف.
في طرفة عين فتكت الأفعى بكل أحياء المدينة الغافلة ولم تدعهم يلتقطون انفاسهم ناهيك عن أغراضهم ومستلزمات النزوح …فخرجوا بالملابس التي على أجسادهم خاليي الوفاض لايملكون من عرض الدنيا قطميرا..
لهذا السبب وحده …. أكرر لهذا السبب كان نزوح مواطني الدندر مختلف عن كل النزوح، ومراراته أمرَّ، وأوجاعه أوجعْ وآلامه أشدّ إيلاماً.. ومازاد الأمر سوءاً أن المعبر الوحيد تم إغلاقه بصورة مفاجئة لحظة اجتياح المدينة ودون إبداء أي سبب واضح للكثيرين (وهذا أمر لنا فيه عودة ومقال) مما مكّن الغاصبين من النهب بكل سهولة ويسر فوضعوا أيديهم على أفخم السيارات والأموال قبل عبورها الممنوع بأمر من؟ لاندري .. فحتى الذي استطاع أخذ بعض الاموال للاستعانة بها في دهاليز النزوح نُهبت منه بسبب إغلاق المعبر وهذا ما قدم تسهيلات وخدمات ممتازة للقوة المعتدية، ولذلك خرج أهل الدندر فقراؤهم وأغنياؤهم سواسية كأسنان المشط في العوز والفقر والحاجة الماسة حتى لرغيف خبزٍ يقيم الصلب..
(2)
خرج أهل المدينة الغنية التي ضربت أروع الأمثال في إطعام النازحين وإيوائهم ،خرجوا من ديارهم فقراء وقد جردهم الغاصبون المعتدون من كل شيء، فهاموا على وجوههم يتنكبون الطرقات في مدن وأرياف ولايات الشرق المختلفة، ونهر النيل..
تحولوا بين ليلة وضحاها من أعزاء كرام أهل مروءة ونخوة ونجدة إلى فقراء بؤساء تحتضنهم مراكز الإيواء من مدارس متهالكة ومباني آية للسقوط وعراءٍ مكشوف وتحيطهم برك المياه الآسنة وجحافل البعوض واسراب الذباب في زمن قعدت لهم فيه “الكوليرا” بالمرصاد تتربص بهم الدوائر..فليكن الله في عونهم وفي عون كل شريد طريد خرج من دياره بغير حق..
(3)
أعود وأقول للأسباب والملابسات التي ذكرتها بدا لي أن نازحي الدندر في كسلا والقضارف والحواتة والفاو والمفازة وكل مدن وقرى الولايات الشرقية ونهر النيل حالة خاصة فهم أكثر الناس تضررا وعوزا وحاجة إلى كل شيء …حاجة إلى الغذاء والمأوى والكساء والدواء، حاجة حتى للمواساة والتعزية.
ومنهم الأسر المتعففة التي لاتجروء وتقوى على السؤال، وإني لأعرف أسراً منهم تعجز الكلمات عن تصوير معاناتها والبؤس الذي تعيشه والظروف السيئة المحيطة بها ولم تنبس ببنت شفة … ولهذا وحده يمتد النداء العاجل والإستغاثة باسمهم لكل أهل الخير والإحسان والمنظمات العاملة في مجال العمل الإنساني المحلية والعالمية أن يمدوا لهم يد العون بأعجل ما يكون الغوث، فإن حاجتهم للعون و المساعدة أكبر وأشد.. ونخص في هذا الشأن بالنداء أبناء الدندر بالخارج أن هلموا لاستغاثة ونجدة أهليكم..
(4)
لما كان الضرر كبير والحاجة أكبر تداعى نفر من أبناء الدندر المخلصين في الداخل والخارج لإنشاء منظمة ترعى شئون أهلهم الذين وقع عليهم الضرر لتستقطب الدعم والمساعدة لأن عدد النازحين من المحلية بأحيائها وقراها شرقا وغربا وجنوب وشمالا فاق حد التصور والحاجة بدت أكبر مما تجود به بعض المنظمات والخيرين، ولهذا نقدم الدعوة لكل الخيرين والمنظمات أن يوجهون دعمهم لأهل الدندر عبر منظمة الدندر للغوث والأعمار
Dinder Relief and Rehabilitation
Organization
ويهدف المنظمة إلى مأسسة العمل الإنساني حالياً و التنموي فيما بعد الحرب ان شاءالله خلال مرحلتي التعافي و إعادة الإعمار ، وخلق ثقافة جديدة من التعاون و التكافل في اطار مؤسسي يتم فيه تكامل الأدوار مع الدولة، وثقافة الشفافية و المحاسبية وتيسيير الاتصال و التواصل مع جمهور المستفيدين في مجتمعات الدندر المختلفة ومن حولهم…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.