الكتاب

نبض للوطن.. أحمد يوسف التاي: غول الولايات الآمنة، والوحش والصحراء

خاص - صوت السودان

(1)

من التعابير الأدقَّ وصفاً للمعاناة التي يعيشها المواطن السوداني حالياً هو ما جاء على لسان أحد البسطاء من رواد مواقع التواصل الإجتماعي حيث عبّر عن معاناة الأهالي الفارين من جحيم الحرب بثلاث جمل فقط ولم يزد:(تقعد مع الجنجويد يشفشفوك وينهبوك وفي النهاية يكتلوك أو تنجغم معاهم…تهرب لجهة الشمال تلقى الموت راجيك في الصحرا..تهرب للولايات تلقى بيت إجار في الأحياء الطرفية وبابو متكول بعود وحمامو بلدي يقولو ليك دايرين مليار !!).

(2)

حجم المعاناة كما ورد بالوصف أعلاه لم بخامر ذهني أنه أمر قريب من الواقع إلا بعد أن سمعتُ صديقي وبلدياتي الطيب عقلة وهو تاجر بسوق الدندر يحدثني بدهشة عن ارتفاع أسعار إيجار المنازل في هذه المدينة الوادعة ويُخبِرني عن “نازحين” استأجروا منزلاً بمدينة الدندر بمبلغ (1.200000)

مليون ومائتان ألف جنيه شهرياً والمقدم شهرين… ومع ذلك فإن المنزل المذكور بلا كهرباء ولاماء ..!!! هكذا أخبرتهم المستأجرة بنفسها..!!.

ولكم أن تضعوا علامات استفهام من زوايا شتى ليس من ناحية الجشع واستغلال الظروف فحسب بل علامات استفهام متعلقة بالمستأجر نفسه .

(3)

للأسف الفارين من جحيم الحرب كان الموت يأتيهم من كل مكان..فهناك صحراء قاسية متوحشة تلتهمهم إن هم يمموا وجوههم شمالا بحثاً عن الأمن والأمان..

وهناك وحوش لم تتخذ الرحمة إلى قلوبهم يوماً سبيلا ..وحوش يراودونهم على البقاء بمنازلهم ويعدونهم بالحماية والرعاية ويمنونهم غرورا وزخرفا من القول وزورا إن هم بقوا بديارهم حتى إذا ما أطمأنوا وهجعوا تسورت الحوش المنازل ونهبت وانتهكت وقتلت.. فمتى كان يؤتمنُ الذئبَ على الغنمِ، ولكن كانت حالهم حال الغريق الذي يمسك زبد البحر طمعا في النجاة.

وفي الولايات الآمنة إن هم فروا ناحيتها كان “الغول” بانتظارهم في بلد الآمان.. غول الولايات الآمنة ينتظرهم ليضاعف لهم إيجار المنازل أضعافا مضاعفة،

يستغل ضعفهم وهوانهم وقلة حيلتهم ويستثمر في خوفهم وأحزانهم ويتاجر بأوجاعهم وآلامهم ولعمري هذا أخطر وجريمته أشنع،

لأنه جاءهم يرتدي ثوب الفضيلة وعباءة الرحمة ويبكي لمأساة النازحين بدموع التماسيح حتى إذا ما أمكن منهم نهبهم وسرقهم وخدعهم وافرغ كل ما في جيوبهم ولم يُبقِ لهم ما يعينهم على شراء رغيف الخبز .

(4)

تتعدد وسائل نهب المنكوبين المشردين والنهب واحد.. وتتعدد وسائل موتهم وأسبابه..ولكن الموت واحد..

فالأمر سيان ان تقتلك وحوش الجنجويد داخل منزلك ،أو تلتهمك الصحراء الغاضبة فتموت عطشا ، أو يهجم عليك غول الولايات الآمنة فينتزع اللقمة من أفواه أطفالك الزغب الصغار، أو يحرم والديك المسنين من جرعة الدواء المنقذ للحياة فيضاعف آلامك وأحزانك عوضا عن التخفيف والمواساة…ألم أقل أن الموت واحد وتتعدد الوسائل والأسباب..

لكن فليعلم الوحوش والأغوال أن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون..

وكما تدين تدان.. فليعلموا هذا جيداً..اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع التي تحبُ أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى