ظلت مصر ولعقود طويلة هي المستودع الفكري الكبير الذي يرفد العالم العربي والإسلامي بالأفكار والتيارات الفكرية التي شكلت وعي الكثيرين، وتبناها الكثيرون؛ وذلك لما ينتجه كتّابها ومفكروها من إنتاج فكري غزيز.
وفي حالتنا السودانية، انتقل من مصر تيار الإخوان المسلمين؛ وفي مصر جنّد اليهودي هنري كوريل قادة للحزب الشيوعي السوداني منهم أحمد سليمان المحامي وعبد الخالق محجوب وآخرين.
وتتلمذ أكثرنا على كتب العقاد وطه حسين ومحمد جلال كشك وتوفيق الحكيم وأنيس منصور، ومحمد الغزالي. وزكي نجيب محمود. وتتلمذنا على أيدي علماء مصريين في الجامعات.
كلنا نهيم حباً في أحمد شوقي، ونستمتع بفاروق جويدة؛ ونطرب للست وهي تغني:
هل رأى الحب سكارى مثلنا
وهي تغني:
يا فؤادي لا تسل أين الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى
أسقني واشرب على أطلاله
واروِ عنّي طالما الدمع روى
وهي تغني نهج البُردة :
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ
فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ
وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
هذا مثلما نطرب للشيخ الشعراوي.
ولأن القوى الاستعمارية تدرك قدرة مصر على التأثير الفكري والثقافي على ما حولها، عمدت لاستهدافها، ومكرت بها مكراً كُبّارا – ومنذ أمدٍ ليس بالقصير – بالغزو الفكري، لعلمها بأن الغزو الفكري والتغيير القِيَمي أشد خطراً حتى من الغزو العسكري.
وتعرف القوى الغربية أن مخطط تنفيذ الغزو الثقافي يتطلب ذكاءً وتُؤدة وتدرجاً، فهي تعمد لتجنيد عناصر من بني جلدتنا ليتولوا تنفيذ ما يُمْلَى عليهم.
ولأن الإسلام هو رافد الثقافة ومصدرها الأعظم في بلاد المسلمين فقد جرى التخطيط لإضعاف أثره القيمي في المقام الأول، وإبدال أسسه ومسلماته بأخرى ليخلقوا إسلاماً Cute وفق معاييرهم وأهوائهم، يسمونه “الإسلام المعتدل” Moderate Islam؛ بما يعني أن سوى ما قالوه هو إسلام متطرف عدواني وإرهابي!!!
واضطلعت مؤسسات غربية ضخمة بوضع استراتيجية المؤامرة الثقافية، من بينها مؤسسة راند Rand Foundation، ومجلس الحريات الدينية USCIRF.
وقد نَصّت استراتيجية راند على ضرورة إنشاء قنوات فضائية وأجهزة إعلام وتجنيد إعلاميين وكتّاب، لتشريب الجماهير مبادئ الاسلام المعتدل وما يسمونها القيم الدولية International Values.
وفي هذا الصدد قال الإعلامي المصري الشهير حافظ الميرازي لصحيفة الدستور: إن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق أموالاً ضخمة على إعلاميين لينشروا أفكاراً تستهدف الإسلام!! وسمّى من بينهم في مصر: إسلام البحيري وإبراهيم عيسى!!
وقال مثل قوله الصحفي المصري مجدي الجلاد.
وقال الميرازي إن الأمريكان اتصلوا به ليكتب ضد الإسلام لقاء أموال فاستعصم ونأى بجانبه .
وكلاهما – الميرازي والجلاد – لا تربطه بالإسلاميين ، سوى الشهادة ، وشيجة.
كما نصّت استراتيجية “راند” التي تبنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على استخدام التعليم وتغيير المناهج لخلق “الاعتدال” بالمفهوم الأمريكي، بين شباب المسلمين.
وقد نجحت أميركا في تطبيق تلك الاستراتيجية في السعودية والإمارات؛ فقُلّصت الدروس الدينية في المناهج، وحُذفت الآيات القرآنية التي تدعو للجهاد ومقاومة الظلم والتعريض باليهود من المناهج الدراسية.
واعتقل شيوخ وعلماء الدين.
ومضت الإمارات إلى الدعوة للدين الإبراهيمي الذي رفضه الأزهر وعلماء كُثر.
وحثُّوهم على استغلال الفن بضروبه كافة لتحقيق غايات التبديل القيمي الهوياتي .
وكل ذلك اتساق مع استراتيجية الغزو الثقافي Cultural Invasion الأمريكية.
وكانت آخر تطبيقات استراتيجية المؤامرة على أرض الكنانة هو إعلان إنشاء “مركز تكوين الفكر العربي” الذي نيط به استهداف الإسلام.
وجُعل ملحدون على رأس إدارته أبرزهم:
إبراهيم عيسى، الذي يسب الصحابة وينكر المعراج ويستهزئ بالسنة النبوية، ويدّعي كذباً أن لا أحد رأى مخطوطة ابن إسحق في السيرة، رغم وجود أكثر من عشرين نسخة منها في القاهرة وحدها؛ بل إنه يستهزئ بالقرآن، واشتهر عنه ترديد كلمة: “سلطانيا” باستهزاء.
وإسلام بحيري، الذي حوكم بالسجن لازدرائه الإسلام.
ويوسف زيدان، الذي ينكر وجود المسجد الأقصى في القدس، ويشك في اليوم الآخر.
والملحدة فاطمة نعوت التي أُثر عنها كفريات عديدة وهرطقات من نوع أن الأضاحي ما هي إلاّ مذبحة يجب أن تتوقف.
وآخرون، مثل السوري الذي ينكر البعث والجنة والنار.
وأقصى ما يتمنونه أن يقال: إنهم مثل استيڤن هويكنغ!!!
هم يزدرون الإسلام، لكنهم يقولون بأفواههم: إنهم ليسوا ضد الإسلام!! فعل المنافقين.
وقد بدأوا نشاطهم بصورة انتقائية إقصائية؛ فأقاموا ندوات عن فكر طه حسين كما كتبه في كتابيه: “الشعر الجاهلي” و”مستقبل الثقافة في مصر”، هذا رغم أن طه حسين تراجع في آخر عمره عن كل ما كتبه، وأصدر كتابه: “مرآة الإسلام” الذي نقض أخطاءه السابقة في انتقاد الإسلام.
وتناولوا علي عبد الرازق كما جاء في كتابه: “الإسلام ونظام الحكم”، الذي زعم فيه أنه لا وجود لسياسة وحكم ودولة في الإسلام.. ووقفوا هناك، وتناسوا أن الشيخ علي عبد الرازق تراجع عن كل ما كتبه وأصدر كتاباً بعنوان: “الاجتهاد في الإسلام” وكتاباً آخر عنوانه: “الإجماع”.. ورغم أنه وصف ما كتبه في “الإسلام ونظام الحكم” بأنه:
“كلمة أجراها الشيطان على لساني، وما أكثر ما يجري الشيطان على الألسُن”.
ووقفوا لدى ما كتبه خالد محمد خالد في: “من هنا نبدأ”، رغم أنه تراجع عنه لاحقاً وأصدر كتاباً بعنوان: : “الدولة في الإسلام” الذي جَبّ فيه كل أفكاره الخاطئة السابقة.
أذكر هذه الأمثلة لنشاطهم لنعرف الانتقائية والإقصائية واللا علمية وسوء الطَوِيّة.
وليتوسلوا لأهدافهم الخبيثة يزعمون أنهم يسعون “للتنوير” وأنهم يريدون تطوير “خطاب التسامح”!!
وكلها كلمات حق أريد بها باطل.
هؤلاء يتجرؤون على الموتى وأهل القبور، لكنهم يخشون أهل القصور، كما لخّصَهم أحد العلماء.
فهم لا يملكون الجرأة على انتقاد قمع الحريات في الإمارات مثلاً، ولا يتحدثون عن وأد الديمقراطية هناك، ورغم ذلك يملكون الجُرأة بل الوقاحة للحديث عن التنوير!!!
وهم يزدرون الإسلام حصراً، ولا ينتقدون ديناً سواه!!!
قال بعض الإعلاميين المصريين: إن الإمارات موَّلت “مركز تكوين” بمبلغ خمسة ونصف مليون دولار!!
باختصار، هؤلاء هم “قحاتة” مصر.
كمنافقينا كانوا يقولون مثل قولهم: “الدين دين الرحمن …… الدين ما دين كيزان”، وأنهم ضد “الإرهاب الإخواني”
ثم لم يلبثوا أن حوَّلوا “دار القرآن الكريم” مكتباً لتلك المسؤولة عن حماية السحاقيات والسدوميين، مغلفةً باسم “النوع” .
وغداً – إن لم نتعظ – فسوف يفتح محمد بن زايد فرعاً لمركز “تكوين” بالسودان، ولدينا من أمثال إبراهيم عيسى، ممن كانوا يقولون: إنهم “ضد الكيزان”!!! و”ليسوا ضد الدين”…
لكنهم ينظمون مظاهرات السدوميين ويغلقون إذاعة القرآن!!
ولأن محمد بن زايد مريض بمحاربة الإسلام – كما اتضح من ملايين ينفقها ضده حتى في أوروبا – بادعاء محاربة الإرهاب والتطرف ، فلن يتورع من استهداف هويتنا مثلما يستهدف أرواحنا قتلاً عبر دعمه للجنجويد .
ألا بعداً للقوم الظالمين.
📍عبد الله الأزرق
————————————
25 مايو 2024