(1)
أعاد اتفاق حمدوك/ الحلو/ عبد الواحد، ملف فصل الدين عن الدولة إلى السطح مرة أخرى مثيراً الجدل مجدداً، وهو ملف ظل يعلو ويهبط منذ العام 1995 عقب رفض نظام الإنقاذ هذا المقترح في “فرانكفورت” عندما طُرح المقترح خياراً مقابلاً لحق تقرير مصير جنوب السودان، وكان رئيس الوفد الحكومي وقتها د.علي الحاج..
لكن سرعان ماعاد النظام وقبل بالمقترح (فصل الدين عن الدولة)
وذلك في العام 1997 ،ولتبرير هذا التراجع أعلنت الحكومة أنها قبلت المقترح كأساس للتفاوض فقط وليست ملزمة به…
(2)
خلال الثلاثة عقود الماضية ظلت علمانية الدولة محل خلاف كبير بين اليسار واليمين وبعض حركات التمرد ذات التوجه اليساري..
اليسار كما هو معلوم يريد دولة علمانية ليس فيها هيمنة أو غلبة لدين او معتقد معين ولاللغة معينة وإن كان أصحاب المعتقد أغلبية ساحقة..
واليمين يريد دولة ذات مظهر ديني تُحكم بالشريعة الإسلامية لاتنفصل فيها السياسة عن الدين، كما هو مرفوع من شعارات فضحها الواقع…
(3)
في أحيان كثيرة تتم إتفاقيات بين الحكومة والمتمردين أو بين أحزاب سياسية وحركة أو حركات متمردة ، ويَرِدُ في هذه الاتفاقيات لفظ (فصل الدين عن الدولة)، بشكل صريح وفي أحيان أخرى يرد بلفظ (علمانية الدولة)، وفي بعض الأحيان يرد بعبارة (مدنية الدولة) والمقصود هو فصل الدين عن الدولة، ويقابله حق تقرير المصير..بمعني إما العلمانية أو تقرير المصير، وتقرير المصير نفسه هو عبارة مبطنة للإنفصال تستخدم أحياناً كفزاعة..
(4)
استناداً على النقاط عاليه، وبناءً على نصوص الإتفاقيات السابقة التي جرت بين نظام الانقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان ، واتفاقات الحزب الشيوعي مع الحلو، وهذا الأخير مع الاتحادي ، والشعبي والحركة الشعبية في وقت سابق، والبرهان/ الحلو، والاتفاق الإطاري، وحمدوك /الحلو/ عبد الواحد.. كل تلك الاتفاقيات أشارت بشكل أو آخر لعلمانية الدولة أو مدنية الدولة، او فصل الدين عن الدولة. ويقابل ذلك خيار تقرير المصير (إن لم يتم تطبيق ذلك فعلى شعب المنطقة المعنية ان تقرر مصيرها)، عبارة تأتي كورقة ضغط لفرض العلمانية على الأغلبية من جانب قلة…
(5)
وبقراءة بين سطور ما سبق ذكره يُلاحظ أن الحركات المسلحة ذات النزعة اليسارية سواءً أكانت حركة قرنق في السابق قبل الانفصال، أو حركة الحلو، او حركة عبد الواحد، او حركة عقار، كل هذه الحركات تريد فرض رؤيتها في تحديد هوية السودان ،بمعنى إما سودان علماني أو حق تقرير المصير الذي هو الطريق المفضي للإنفصال، دون اعتبار للأغلبية وماتريده الأغلبية، ومع ذلك تزعم أنها تريد سودان حر ديمقراطي وتتبنى الديمقراطية في طرحها، ولكنها في الواقع هي أقلية تفرض رؤيتها بالسلاح والضغط والتهديد على الأغلبية التي لاتمتلك سلاح..
(5)
الملاحظة الثانية أن القوى اليمينية التي يمثلها الإسلاميون تتمسك بالدولة الدينية اسماً فقط ،فهي عند أول مطب تتراجع عن شعاراتها المرفوعة كما في المفاوضات التي سبقت الإشارة إليها في فرانكفورت ونيروبي وضواحي كينيا الأخرى مثل نيفاشا وميشاكوس، ونانيوكي وغيرها ..
والدليل الآخر أنه عندما سنحت لها الفرصة وحكمت البلاد ثلاثة عقود لم تطبق الشريعة السمحة، ولكنها طبقت شريعة (مدغمسة) كما أقر رأس النظام بذلك.. وفي رأيي شريعة مغمسة افضل منها العلمانية، لأن المدغمسة تعني خداع الله والمسلمين والغش والنفاق والرياء والإنتقائية في تطبيق العدالة والشريعة…
(6)
إذن كل القوى المتصارعة على بساط العلمانية والدولة الدينية كلها قوى منافقة ومتناقضة، وغير صادقة في شعاراتها، كلها من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار
ودليلي في ذلك:
أن اليسار ليس صادقا في شعاراته إذ أنه يرفع شعار الديمقراطية ويريد أن يفرض رؤيته على الأغلبية بشأن تحديد هوية الدولة سواء أكان بقوة السلاح او نحوه وهذه أمور تنم عن دكتاتورية مرعبة وشمولية قاتلة تتعارض مع مباديء الديمقراطية التي يتبنونها نهجا.. ومحاولة فرض الرؤية هي نقطة يلتقي ويشترك فيها اليسار واليمين
أما الدليل على عدم صدق التوجه عند اليمين فذلك الذي سبقت الإشارة إليه في إقرار البشير بأنهم كانوا يطبقون شريعة (مدغمسة)..
فلماذا لايخضع الجميع لاستفتاء شعبي عبر صناديق الاقتراع لتختار الأغلبية ماتريد أن تُحكم به..
المشكلة أن كل طرف يحاول فرض ما يريده على الآخر في حين أن هناك وسيلة شورية ديمقراطية يمكن أن تحسم هذا الجدل لكن لأ أحد يريد الديمقراطية والشورى ولا أحد يؤمن بحق الأغلبية في اختيار ماتريد، والاغلبية نفسها تفرض رؤيتها خارج الأطر القانونية…
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع التي تحبُ أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..